بمرارة كبيرة تتحدث ناشطة عراقية من البصرة عن فجيعة فقدان الشابة ريهام يعقوب التي سقطت برصاص كاتم للصوت. وريهام الشابة التي ملأت بحيويتها ساحات التظاهر في البصرة وكانت تعلي الصوت في وجه منظومة الفساد والقتل والسلاح هي أحدث ضحايا الاغتيالات التي برزت في العراق مؤخراً ضد الناشطين. على رغم صغر سنها (ريهام) لکنها كانت مثالاً للمرأة المثقفة في البصرة، كانت شعلة من الطاقة، ورائدة في تفكيرها، وتشجع نساء مدينة البصرة بالمبادرات الدائمة.لم تمر سوى خمسة أيام على اغتيال الناشط المدني تحسين أسامة في مدينة البصرة جنوب العراق، حتى أربك مشهد المدينة الخارجة عن سيطرة الدولة نبأ اغتيال طبيبة التغذية والناشطة المدنية ريهام يعقوب مع إحدى رفيقاتها وسط مدينة البصرة. الطبيبة الراحلة كانت برفقة 4 من صديقاتها أثناء عملية الاغتيال.
اغتيال ريهام وقبله محاولات الاغتيال التي استهدفت نشطاء مدنيين وشخصيات مؤثرة في الحراك الشعبي، تأتي بالتزامن مع التظاهرات الشعبية التي تجددت في مدينة البصرة، والمطالبة بإقالة محافظها أسعد العيداني وقيادات أمنية ومسؤولين على خلفية تردي الوضع الأمني والاقتصادي على حد سواء. ويقدر عدد الاغتيالات التي سجلت خلال الشهر المنصرم بـ9 اغتيالات وهو رقم أثار الكثير من القلق والخوف في أوساط الناشطين.وريهام يعقوب (29 سنة) هي واحدة من الوجوه النسوية المؤثرة في مدينة البصرة، شاركت بقوة في الاحتجاجات التي اندلعت في المدينة عام 2018، وبرز دورها مدافعةً عن حقوق المرأة ومساهمة في أن تأخذ النساء أدواراً رئيسية في المجتمع. ومن عباراتها المشهورة خلال احتجاجات 2018، “أنا ولائي للوطن”، تهتف بها وتحمّس الشباب والفتيات للتظاهر والإصرار عليه.
يعقوب هي أيضاً مدربة لياقة بدنية، وتمتلك مركزاً لتشجيع النساء على كسر النمطية ونظرة المجتمع إليهن، وأكثر من ذلك فقد بدأت فعالية المشي في شوارع البصرة، بحيث تدعو مئات النساء إلى ماراثون للمشي في شوارع المدينة العامة.
قادت ريهام ثورة في المجتمع النسوي في البصرة، ودائماً ما كانت تتحدث عن البدايات والصعوبات التي واجهتها لإقناع النساء أولاً بأنهن قادرات على التغيير، وهذا التغيير يبدأ من أنفسهن أولاً.
بدأت الطبيبة الراحلة لوحدها عام 2013 مشروعها التوعوي الخاص، واستطاعت بعد خمس سنوات فقط من تكوين مجتمع نسوي كبير يؤمن بأن التغيير يبدأ خطوته الأولى من الإرادة الذاتية، ومن 70 امرأة كنّ يأتين كل شهر للتسجيل في مركز الدكتورة ريهام قفز الرقم إلى 500 امرأة شهرياً.
بعد تجدد الاحتجاجات في أكتوبر 2019 شاركت الدكتورة ريهام بقوة في الحراك المدني الشبابي وكانت تقود التظاهرات وتهتف بصوت عال ضد الفساد، وتصر على ضرورة أن تحصل مدينة البصرة على استحقاقها الاجتماعي، لذلك كانت علامة فارقة في الوجود النسوي في الشارع، ويمثل صوتها قيمة مهمة للحراك في البصرة.
اغتيال ريهام مثَّل صدمة كبيرة لأصدقائها وزملائها، وكذلك للشارع العراقي، تقول إحدى الفتيات اللاتي يرتدن مركز اللياقة البدنية الذي افتتحته الدكتورة: “ريهام ولروحها الف سلام وسلام وغضب الله على من قام بإطفاء شمعة حياتها، ريهام المحبة للحياة، والمثقفة المحترمة، طيبة القلب… طالبة الدكتوراه والمكافحة في هذه الحياة، أرادت تغيير واقع حال البصريات، أرادت أن تعلو وتزهو ببصرتنا، وقادت تظاهرات نسوية، ووقفت جنباً إلى جنب مع إخوتنا في البصرة، لا نعلم ما يمكن أن يُقال بحقها، فهي مثال يحتذى به بالتفاني والعمل الجاد، مثال في حب الحياة والأخلاق”.