طباعة

مركز كارتر يحثّ القيادة الجديدة في تونس على منح الأولويّة لتبني مقاربات شاملة لمعالجة أهمّ التحدّيات السياسيّة والاقتصاديّة

تونس (15 أكتوبر 2019) – في بيان أوّلي صدر اليوم، أشاد مركز كارتر بالشّعب التونسي وإدارته الانتخابية على إثر انتهاء العمليّة الانتخابية لسنة 2019 بنجاح والتزامهم العميق بالمسار الدّيمقراطي الذي تطلّب من النّاخبين الذّهاب إلى مكاتب الاقتراع للمشاركة في ثلاث عمليات انتخابيّة متتالية في فترة تقلّ عن الشّهر. ورغم أنّ الجوّ العامّ الذي دارت فيه الانتخابات الرّئاسيّة تميّز بالانفتاح والتّنافسيّة، حيث تقدّم 26 مترشّحا إلى الدّور الأوّل، فانّ المسار شابته أعمال بدت مبنيّة على أغراض سياسيّة تمظهرت أساسا في سجن نبيل القروي على امتداد أغلب الفترة التي استغرقتها العمليّة الانتخابية. أدّى التّوقيت الذي تمّ فيه إيقاف القروي إلى ظهور مخاوف مشروعة تتعلّق بحقّ المترشّحين في التمتّع بفرص متكافئة.

 

كان الاقبال على التّصويت ضعيفا في الدّور الأوّل لكنّه ارتفع ارتفاعاً ملحوظاً في الدّور الثاني من الانتخابات الرّئاسيّة. وقد طغت أهمية الانتخابات الرّئاسيّة على الانتخابات التشريعيّة رغم الأهميّة النسبيّة للبرلمان مقارنة بالسّلطة التّنفيذيّة بمقتضى أحكام الدّستور التّونسي الجديد.

 

يتعيّن على القادة السياسييّن التّونسيّين، في ظلّ انتخاب برلمان تعدّدي ورئيس جديد يفتقد إلى الخبرة السياسيّة، تكوين حكومة قادرة على المساهمة في تحقيق أهداف الثّورة وتطلّعات الشّعب التّونسي. وللمضي قدماً، يجب على المسؤولين المنتخبين إيجاد طريقة لترك الخلافات السياسية والأيديولوجية جانباً سعيا لخدمة مصلحة تونس وشعبها. ويجب أن يكون تشكيل المحكمة الدستورية وغيرها من الهيئات المستقلة من الأولويات العاجلة وذلك باعتماد توافق سياسيّ واسع النّطاق، كما ينبغي على البرلمان والرّئيس العمل معا لرفع التحدّيات الاقتصادية والسياسية المطروحة التي كانت من الأسباب العميقة لثورة 2011.

 

قاد بعثة ملاحظة الانتخابات التّابعة لمركز كارتر التي تضمّ أكثر من 80 ملاحظا رئيس الوزراء الأسبق للسلطة الفلسطينيّة، السيّد سلام فيّاض. شمل فريق الملاحظين مواطنين من 30 دولة قاموا بزيارة 337 مكتب اقتراع وجميع مراكز تجميع النّتائج السّبعة والعشرين الموزّعة في تونس يوم الاقتراع. ولم يرصد الملاحظون سوى عدد محدود من المخالفات البسيطة في مكاتب الاقتراع التي زاروها.

 

يقدّم البيان الذي أصدره اليوم مركز كارتر التّقييم الأوّلي وأهمّ النّتائج التي أوردناها أدناه. وبما أنّ جوانب هامّة من العمليّة الانتخابيّة مازالت لم تكتمل بعد، من بينها الإعلان عن النتائج النّهائيّة والبتّ في ايّة شكاوى أو طعون، فإنّ هذا البيان يقتصر على تقديم تقييم جزئيّ أوّلي للمراحل المنجزة من المسار الانتخابي، ولا يمثّل تقييم المركز للعمليّة الانتخابيّة بأكملها. وسيصدرمركز كارتر تقييمات إضافيّة في الفترة التّالية للمسار الانتخابي وعند اختتامه.

 

أهمّ الاستنتاجات

 

  • الفترة السّابقة للانتخاباتاعتبر النّاخب أنّ المترشّحين اللذان فازا في الدّور الأوّل من الانتخابات الرّئاسيّة مضادّين لمنظومة الحكم وأنّهما غير مسيّسين. فقيس سعيّد، هو أستاذ جامعي مختصّ في القانون الدّستوري ولا ينتمي إلى ايّ حزب سياسيّ وقد خاض حملة غير مألوفة، أمّا القروي فهو أحد مالكي وسيلة إعلامية هامة ورئيس سابق لجمعيّة خيريّة، وقد أسّس حزبا سياسيّا في شهر جوان سنة 2019.  ولقد تمّ إيقاف نبيل القروي قبيل الانتخابات وظلّ بالسّجن خلال كامل فترة الحملة الانتخابية للدّور الأوّل من الانتخابات الرّئاسيّة والانتخابات التّشريعيّة رغم الدّعوات المتعدّدة لإطلاق سراحه التي ردّدتها الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات وأغلب الطّبقة السّياسيّة. وقد تمّ الإفراج عن القروي في 9 أكتوبر، يوم الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعيّة ولم يتبقّ آنذاك على انتهاء فترة الحملة الرّئاسيّة سوى يومين. وقد طغت على الفترة السّابقة للانتخابات وعلى فترة الحملة مسألة مدى تمتّع القروي بحقّه في تكافؤ الفرص مع منافسه.

     
  • لإطار القانوني: يضمن الفصل 52 من القانون الانتخابي تكافؤ الفرص لجميع المترشّحين خلال الحملة دون أن يحدّد معنى عبارة "لتكافؤ الفرص". كما تقضي الممارسات الفضلى الدوليّة ومصادر القانون الدّولي أن تتمتّع جميع الأحزاب وكلّ المترشّحين بفرص متكافئة. وينبغي على الدّولة أن تلتزم الحياد وتطبّق القانون على الجميع على حدّ السّواء. كما يجب ضمان المساواة بين جميع الأحزاب والمترشّحين وينبغي على سلطات الدّولة أن تكون محايدة في مواقفها من الحملة الانتخابيّة والتّغطية الإعلاميّة. وقد تمّ الافراج عن نبيل القروي يوم 9 أكتوبر بقرار من محكمة التّعقيب خلصت فيه إلى أنّ دائرة الإتّهام بمحكمة الاستئناف أساءت استخدام سلطتها ولم تحترم المتطلبّات الإجرائيّة الأساسيّة بإصدارها بطاقة إيداع بالسّجن في حقّ نبيل القروي وقضت بإبطال البطاقة المذكورة.

     
  • إدارة الانتخابات: يشيد مركز كارتر بإشراف الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات على تنظيم ثلاثة انتخابات تنظيما محكما في آجال مختصرة. لقد تمت الثلاث انتخابات دون رصد اخلالات جسيمة وقد اتخذت الهيئة خطوات لتعزيز المسار بعيد كل محطة انتخابية. وباعتبارها الجهة المسؤولة على تطبيق القانون الانتخابيّ، بذلت الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات كلّ ما في وسعها لضمان تمتّع نبيل القروي بمبدا تكافؤ الفرص وطرحت الملفّ في مناسبات متعدّدة أمام أنظار المؤسّسات الحكوميّة والمسؤولين وطالبت بالافراج عن نبيل القروي ليتمكّن من خوض حملته. وليست للهيئة أية صلاحيّة للأمر بالإفراج عنه أو لإجبار السّلطة القضائيّة على ذلك.

     
  • بيئة الحملة الانتخابيّةانطلقت الحملة الإنتخابية للدّور الثاني رسميّا يوم 3 أكتوبر، أي في اليوم التالي لإعلان هيئة الانتخابات عن النّتائج النّهائيّة للدّور الأوّل. وكانت الحملات الانتخابية للدّور الثاني من الرّئاسيّة بالنّسبة إلى المترشّحين محدودة نسبيّا إذ تمّت أساسا عبر شبكات التّواصل الاجتماعي ، فقد قضّى القروي أغلب فترة الحملة الانتخابية  في السّجن،  أمّا قيس سعيّد فقد واصل حملته غير المألوفة. وعلى الرغم من ذلك ، فقد تصدّر كلا المترشّحين باستمرار عناوين النشرات الإخبارية.
     

    أعلن قيس سعيّد أنّه لن يقوم شخصيّا بحملته لأنّ منافسه غير قادر على القيام بمثل ذلك اذ أنّه في السّجن، واعتبر قيس سعيد أنّ ذلك هو الموقف "الاخلاقيّ" الذي ينبغي اعتماده. بيد أنّ أنصاره واصلوا الحملة على الميدان وعبر شبكات التّواصل الاجتماعي. وفي الفترة التي سبقت الدّور الثاني لم يرصد الملاحظون على المدى الطّويل التّابعون لمركز كارتر أيّة فعاليات انتخابية هامّة في الجهات من جانب المترشّحين لكنّهم لاحظوا أعدادا من المتطوعين يوزّعون المطويّات ويتّصلون مباشرة بالمواطنين في إطار حملتي  كلا المترشّحين.  وقد نظّم أنصار كلّ من المترشّحين لقاء جماهيرياً لاختتام الحملة يوم 11 أكتوبر في شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة ، ورغم اختلاط الشّقين من المناصرين لم يتمّ تسجيل أيّ مشادّات بينهما.

     

وفي اليوم الأخير من الحملة الانتخابيّة،  بُعيد الافراج عن نبيل القروي شارك المترشّحان في مناظرة نظّمتها التّلفزة الوطنيّة وتطرّقت إلى محاور مختلفة على غرار الدّفاع والأمن الوطني، والسياسة الخارجيّة، وعلاقة الرّئيس بالبرلمان وبرئيس الحكومة، والشأن العامّ. وطُلب من المترشّحين الإجابة على ثلاثة أسئلة في كلّ محور. ورغم الجهود التي بذلها الصحفيون الميسّرون للمناظرة لحثّ المترشّحين على التّفاعل فيما بينهما امتنع كلاهما في أغلب الأحيان عن ذلك. وتابع هذه المناظرة، التي شكّلت حدثا غير مسبوق في العالم العربيّ، أكثر من ستة ملايين  تونسيّ ، إضافة إلى مشاهدين عبر العالم العربي وفي مناطق أخرى من العالم.

 

  • فضّ النّزاعات الانتخابيّة: فرضت وفاة الرّئيس الباجي قائد السّبسي اعتماد آجال مضيّقة لإجراء الانتخابات الرّئاسية بما تطلّب التقليص آجال فضّ النّزاعات الانتخابيّة، ممّا حدّ من عمليّة تقديم الشّكاوى والطّعون المتعلّقة بالانتخابات الرئاسيّة،  وقد أفضى ذلك  إلى تذمّر كبير من جانب المحامين الذي اعتبروا أنّه لم يتوفّر لهم الوقت الكافي لتجميع أدلة لإقناع المحكمة بأنّ الخروقات المسجّلة كان لها تأثير حاسم على النّتائج.

     
  • ملاحظة مواقع التّواصل الاجتماعي: لاحظ مركز كارتر صفحات الفيسبوك التي تساند وتعارض المترشّحين.  نبيل القروي هو المترشّح الوحيد الذي كانت له صفحة رسميّة على الفيسبوك استعملها لخوض حملته. كما تولّت صفحات حزبه السّياسي، قلب تونس، وصفحات غير منتسبة للحملة الرسميّة دعم المترشّح وحزبه. ورغم أنّ قيس سعيّد لم تكن له صفحة رسميّة على الفيسبوك فقد تمّ دعم ترشّحه من قبل العديد من الصّفحات غير المنتسبة له والتي نفى سعيّد أن تكون له بها أيّة صلة.  وقد نشرت بعض تلك الصّفحات إشاعات حول جهود يبذلها منافسه في سبيل تقويض نزاهة الانتخابات وتمّ أيضا رصد بعض خطابات الكراهية فيها. ومنذ الدّور الأوّل، عرضت الصّفحة الرسميّة لنبيل القروي إعلانات مدفوعة الأجر.

    وينبغي على البرلمان مستقبلا أن يفكّر وضع قواعد تنظّم الانفاق على الحملات عبر مواقع التّواصل الاجتماعي لضمان المزيد من الشفافيّة والإنصاف في الحملات الانتخابيّة.

     

الخلفية:

 

واتّخذ المركز له مكتبا في تونس منذ سنة 2011. وقد قام بملاحظة انتخابات المجلس الوطني التّأسيسي لسنة 2011 والانتخابات الرّئاسية والتّشريعية لسنة 2014 وكذلك عملية صياغة الدستور التي تُوّجت باعتماد الدستور في جانفي 2014.

قام مركز كارتر في سياق هذه الانتخابات بنشر فريق أساسيّ من الخبراء في شهر ماي 2019. وفي منتصف شهر جويلية، قام المركز بالتعاون مع المعهد الانتخابي للديمقراطية المستدامة في إفريقيا بنشر 16 ملاحظا على المدى الطويل في جميع أنحاء البلاد التونسية. ويمثل الفريق المركزي والملاحظون على المدى الطويل 18 دولة.

وسيتواصل عمل المركز في تونس لملاحظة عمليّة البتّ في الطّعون الانتخابيّة والاعلان عن النّتائج النّهائيّة. وتتمثل أهداف بعثة ملاحظة الانتخابات التّابعة للمركز في تونس في تقديم تقييم محايد وشامل لسير العمليّة الانتخابية، والتّشجيع على إجرائها بشكل يشمل جميع التّونسيّين، وإظهار دعمه للانتقال الديمقراطي. وسيقوم المركز بإصدار تقرير نهائي شامل لكامل المسار الانتخابي لسنة 2019 و سوف يتضمّن توصيات لتعزيز العمليّة الانتخابية في المستقبل.

  يقوم مركز كارتر بتقييم العمليّة الانتخابية في تونس بناء على الدستور التّونسي، والإطار القانوني الانتخابي المحلّي، والالتزامات المستمدّة من المعاهدات الدّولية والمعايير الدوليّة للانتخابات. وتعمل بعثة ملاحظة الانتخابات التابعة للمركز وفقًا لإعلان مبادئ المراقبة الدولية للانتخابات.

يودّ مركز كارتر أن يشكر المسؤولين التونسيين وأعضاء الأحزاب السياسية وأعضاء المجتمع المدني والأفراد وممثلي المجتمع الدولي الذين منحوه من وقتهم بسخاء وسخّروا طاقتهم لتسهيل جهوده في ملاحظة سير العمليّة الانتخابيّة.

قراءة 855 مرات
الدخول للتعليق
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…