jasminsnews - "الحريات في زمن فيروس كورونا"

"الحريات في زمن فيروس كورونا"

 
قدمت الجمعية التونسية للدفاع عن الحريات الفردية اليوم الأربعاء 22 جويلية 2020 بمقر النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تقريرها حول "الحريات في زمن فيروس كورونا"
 
 كما تم خلال الندوة عرض أهم النتائج والتوصيات التي جاء بها التقرير والمتمثلة في:

ماهي الدروس المستفادة؟

ساعد فيروس كورونا في لفت النظر إلى ضرورة إعادة التفكير في مجموعة من العناصر الحيوية لتحقيق التوازن الضروري داخل الدولة وبين الأفراد في ظل ديمقراطية ناشئة إطار اقتصادي واجتماعي هش، زاده وباء كورونا هشاشة:

 

1.     فيروس كورونا يؤكد على ترابط حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة

 

1.1.                لا تزال الفئات الهشة هي الفئات الأكثر تأثرا بالأزمة : النساء والأطفال والمهاجرين والمهاجرات واللاجئين واللاجئات وضحايا الاتجار بالبشر والمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي والعابرين والعابرات جنسيا  والأشخاص المتعايشين مع فيروس نقص المناعة البشرية والأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة، والأشخاص من ذوي .الإعاقة

 

2.1.                ازدادت التجاوزات المسلطة على الحقوق والحريات مع الأزمة إذ ظهرت أشكال جديدة من انتهاكات الحقوق والحريات الأساسية كتلك التي تتعلق بـ: الحق في تلقي العلاج والحق في التقاضي والحق في الحصول على المواد الغذائية الأساسية ومنتجات النظافة، خاصة بالنسبة إلى الناس الذين يعيشون وضعية اقتصادية واجتماعية هشة.

 

3.1.                كما كشفت الأزمة أيضاً عن شكل من أشكال الوصم، ظل لفترة طويلة مسكوتا عنه ولكنه على غاية كبيرة من التأصل والخطورة وهو الوصم القائم على أساس الحالة الصحية. إذ أن كل الأشخاص الذين يعانون من أمراض سارية يخبروننا دوماً : "نحن جميعاً نعاني من الوصم بسبب المرض، بما في ذلك وصمنا بالعار بسبب المرض وذلك حتى في المؤسسات الصحية. فنحن نعاني كثيراً حتى أننا نتخلى عن حقنا في الرعاية الصحية ونفضل أن نموت في صمت على أن تقع معاملتنا وكأننا أناس خطيرون نمثل تهديدا على المجتمع."

وكشف فيروس كورونا عن هذه الحقيقة خاصة في ما يتعلق بالأشخاص الذين تم حرمانهم بدافع الوصم من الحصول على حقهم في الرعاية الصحية وهو ما تسبب في وفاة أشخاص أبرياء : جريمتهم الوحيدة هي المرض خلال الحجر الصحي.

 

4.1. كما أثر الوصم أيضا على الأشخاص الذين توفوا بسبب اصابتهم بفيروس كورونا اذ وقع رفض دفنهم جنباً إلى جنب مع الأشخاص المتوفين من أجل أسباب أخرى وهو أمر قاس يمس من كرامة هؤلاء الأشخاص وعائلاتهم وينبهنا إلى حقيقة محزنة : مجتمع مريض وجاهل، يصم حتى الموتى. وهو مجتمع يمكن أن يتحول في أي وقت إلى مجتمع بدائي وخطير. إذ أن وصم الأموات والتمييز بينهم لأسباب صحية أو دينية أو غيرها تعد من أخطر أشكال التعدي على كرامة الإنسان.

 

5.1. مكنت كل هذه التجاوزات والانتهاكات المؤسساتية، التي تقوم بها هياكل الدولة مثل الشرطة والمؤسسات الصحية أو من خلال الأفراد أو الفاعلين السياسيين أو المسؤولين في الجماعات المحلية من التعرف جليا إلى هشاشة المكاسب الحاصلة في ميدان حقوق الإنسان. هذه المعطى المرير صالح سواء للحريات الفردية (بالمعنى المدني للمصطلح) أو بالنسبة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية إذ تواجه هذه الحقوق نفس التهديدات.

 

إن انتهاكات حقوق الإنسان أشبه بالنار التي تأتي على الأخضر واليابس، إذ أنها إن مست أحد الحقوق فإنها ستمس جميع الحقوق الأخرى نظرا لكون الحقوق متكاملة ومتصلة بعضها ببعض : حرية التنقل وحرية التعبير وحرية التظاهر وحرية التعبير وحرية الضمير وتلقي العلاج والتقاضي والشغل والحق في البحث...

وهكذا، قدّم لنا فيروس كورونا أحد الدروس الأساسية التي يستأنس بها المدافعون والمدافعات عن حقوق الإنسان بصفة عامة وعن الحريات الفردية بصفة خاصة ألا وهي عدم قابلية حقوق الإنسان للتجزئة.  كما أوضحت هذه الفترة أيضا ترابط حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزئة بغض النظر عن أجيالها، وعن الأشخاص الأكثر تضررا أو صبغتها المستعجلة أو مقبوليتها الاجتماعية والسياسية.

إنه مثل تأثير الدومينو، فإذا وقع المساس بحق واحد من حقوق الإنسان فسيقع بصفة آلية انتهاك كل الحقوق الأخرى فالمسألة ليست سوى مسألة وقت. ولذلك يجب الإقرار بصفة قطعية أنه لا وجود لمصلحة في التفريق بين حقوق الإنسان وفي إرساء نظام أولوية بينها.

وهكذا، فبمجرد التشكيك في حرية الفرد (حرية التنقل، وحرية الضمير وحرية التعبير والحريات الجنسية)، فإن الحريات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية ستصبح محدودة أو حتى مستبعدة أو منتهكة. والعكس بالعكس. كما إن رفض الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (الحق في العمل، والحصول على الرعاية الصحية، والحق في التقاضي...) يؤثر مباشرة على الحريات الفردية للشباب وللنساء وللفئات الأكثر هشاشة بصفة خاصة ولكن أيضا لكل الفئات الأخرى.

 

غير أن فيروس كورونا كشف أيضا عن امكانية إحداث تغيير في نظام الحقوق والحريات. 

 

2.     فيروس كورونا يتيح إمكانية إعادة النظر في السياسة الجنائية المتعلقة بمعالجة الحقوق والحريات

 

1.2. أظهرت التدابير المتخذة منذ الأيام الأولى من الحجر الصحي، بطريقة أو بأخرى وبفضل الضغط الذي مارسه كل من المجتمع المدني والإرادة السياسية (العملية) أنه من الممكن إعادة التفكير في السياسة الجنائية الحالية والتي ورثناها من طريقة حكم استعمارية وقمعية وغير إنسانية ولا تهدف للإصلاح ولا للإدماج والتي لم تكن موجهة للتعامل مع مواطنين ومواطنات فعليين، بل مع رعايا.

 

2.2.                كما كشف الشروع العفو عن الآلاف من الناس (بين 20 مارس و1 ماي 2020) عن أننا لسنا في حاجة لسجون ومراكز ايقاف مزدحمة وأن إطلاق سراح هؤلاء الآلاف من الناس لا يشكل تهديداً للنظام العام. ولا ينبغي لنا أن نبالغ في تتبع ومعاقبة أشخص حكَم عليهم بسبب شيك بدون رصيد أو من أجل التجاهر بما ينافي الحياء أو على أساس العلاقات الجنسية الرضائية بين الرشد داخل الفضاء الخاص أو كذلك من أجل استهلاك مادة مخدرة. 

ولسنا في الحقيقة في حاجة لوضع هؤلاء الأشخاص في السجون وصرف المزيد من مال دافعي الضرائب، مال يعتبر ذو أهمية بالغة في هذه الأوقات العصيبة من وجهة نظر اقتصادية واجتماعية وذلك بهدف تتبع أشخاص ساهموا في دفعه ثم بواسطته وقع تتبعهم وسجنهم من دون أن يمثلوا أي تهديد على المجتمع. ويبقى الحل في وضع سياسة جزائية عادلة تكفل حقوق الإنسان المضمونة بالدستور حلا لتصحيح لعديد المشاكل القانونية والاجتماعية التي ظلت مستمرة لعقود من الزمان.

 

3.2.                إن المضي في العفو عن مرتكبي هذه الأفعال يدل أيضا وبالأساس أننا لم نعد في حاجة للابقاء على هذه الأفعال ضمن قائمة الأفعال المجرمة بنصوص قانونية قديمة واستعمارية (كالمجلة الجزائية لسنة 1913) أو القوانين التي وقع اصدارها في زمن الديكتاتورية (القانون المتعلق بالمخدرات لسنة 1992 وقانون الشيكات بدون رصيد لسنة 1995...). فقد مكن فيروس كورونا من طرح الأسئلة المناسبة في الوقت الذي نستعد فيه لاصدار مجلة الاجراءات الجزائية الجديدة والمجلة الجزائية الجديدة...

 

4.2. كما كشفت هذه الأزمة عن أهمية ضمان الحقوق والحريات على أساس مفهوم القرب. وبالتالي، يجب ألا يتوقف دور السلطات المحلية على تحسين المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية فقط بل يجب أن يضعوا في اعتبارهم أن السكان يحتاجون أيضا إلى حرياتهم الفردية ليتحقق العيش الكريم في محيطهم. وللجماعات المحلية دور يجب أن تضطلع به بوصفها سلطات محلية إذ يعتبر المس الحريات الفردية نفيا للحقوق الأخرى التي تريد الجماعات المحلية تكريسها.

 

5.2. وأخيرا، أظهر لنا فيروس كورونا أن النظام القضائي قد يكون أفضل، إن لم يكن أفضل في طريقة عمله من خلال خفض عدد الإيقافات والجلسات غير الضرورية ولا سيما التقليص في عدد الأشخاص الذين يتم إيقافهم واقتيادهم أمام القضاء... ويتمثل التأخير المتعمد في عدم مراجعة النصوص السالبة للحرية والمخالفة للدستور لدوافع سياسوية بحتة وسببا يثقل كاهل الدولة من خلال الإبقاء على الأعباء المالية والإدارية الضخمة داخل المحاكم التي تكبل عملها وتزيد عمل القضاة ومساعدي القضاء والذين يعملون في ظروف وضعية صعبة أصلا صعوبة. إذ يتطلب تسيير المرفق القضائي موارد مالية ضخمة وبتحسين النظام القانوني بجعله أكثر ضمانا للحريات يمكن الترشيد في موارده من أجل ضمان حقوق أخرى معرضة للخطر هي الأخرى كالحق في التقاضي والمساواة أمام القضاء.

 

وأخيرا، دعونا نتعلم درساً جيداً من هذه الفترة العصيبة ونراجع ردود الفعل القديمة البوليسية المعادية للحريات حتى يتسنى لنا تحرير العقول والأجساد للوصول لهدفين أساسيين  من خلال الدستور التونسي لسنة 2014 : الحق في الكرامة والمساواة بين الأشخاص دون تمييز (الفصلان 21 و23 من الدستور).

 فالدولة مجموعة من الأفراد وهي تشبههم إلى حد كبير. إذ لا يمكن الحديث عن تنمية ورفاه اقتصادي واجتماعي دون ضمان الحقوق والحريات الفردية. 

 

قراءة 1152 مرات
الدخول للتعليق
اشترك في نشرتنا الإخبارية
Top
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…