jasminsnews - رسالة الى المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

رسالة الى المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

اندلعت ثورة الحرية والكرامة في تونس أواخر 2010 وانبثق عنها دستور جديد للبلاد في جانفي 2014 توج جملة من التحركات والمطالب الشعبية المنادية بتكريس حقوق للإنسان وضمان الحرية والعدالة الاجتماعية بما يؤسس لعهد جديد يلزم الدولة بوضع سياسات تنموية جديدة على أسس هيكلية وتشريعية تكفل لجميع المواطنين على حد السواء التمتع بحقوقهم التي تضمنها المعاهدات والاتفاقيات الدولية الممضاة من الدولة التونسية.

وكانت الحقوق البيئية من بين الحقوق التي نص عليها الدستور الجديد وخصص لها بالأساس الفصل 45 الذي ينص على ‘’تضمن الدولة الحق في بيئة سليمة ومتوازنة والمساهمة في سلامة المناخ. وعلى الدولة توفير الوسائل الكفيلة بالقضاء على التلوث البيئي’’ والفصل 44 المخصص للحق في الماء ‘’ الحق في الماء مضمون. المحافظة على الماء وترشيد استغلاله واجب على الدولة والمجتمع’’. وتعتبر هذه الحقوق شرطا من شروط الحياة الكريمة وركيزة من ركائز السلم الاجتماعي، وبالإضافة الى تظمينها في الدستور، فإن الحقوق البيئية مضمنة في الاتفاقيات والبروتوكولات الدولية لحقوق الإنسان والممضاة من طرف الدولة التونسية.

 

ويتوافق يوم 22 مارس من كل سنة مع اليوم العالمي للمياه الذي يحتفي بأهمية الماء كمورد طبيعي أساسي لضمان العيش الكريم والكرامة البشرية، حيث أنه لا غنى عنه من أجل التمتع بصحة جيدة وظروف حياتية لائقة. وعلى الرغم من أن الحق في الماء وفي خدمات صرف صحية من أساسيات حقوق الانسان إلا أن ملايين الأشخاص في تونس محرومون من هذا الحق، خاصة منهم ساكنو المناطق الريفية والجهات المفقرة من البلاد وعديد الفئات الهشة. وبحسب إحصائيات سنة 2019، فإن قرابة 53% من قاطني الأرياف محرومون تماما من الماء الصالح للشراب أي ما يقارب المليوني شخص. وينضاف إلى الحرمان من الماء بالعديد من المناطق الريفية الغياب التام لخدمات الصرف الصحي المنظمة والتي اقتصرت الدولة على توفيرها بالمناطق الحضرية بدعوى سهولة ربط التجمعات السكنية بالشبكتين الوطنيتين للماء الصالح للشراب وللصرف الصحي وصعوبة ذلك في الأرياف نظرا لتشتت المساكن وبعدها عن بعضها.  ويعتبر هذا التمييز ضربا صارخا لإحدى ركائز حقوق الانسان المتمثلة في المساواة في الولوج الى الحقوق، كما أن الدولة بهياكلها هي الضامن الرئيسي للحق في الماء والصرف الصحي ويغطي القصور في توفير هذين الحقين ضعفا كبيرا في سياسة الدولة المائية وغيابا تاما للعدالة المائية الذي تنجر عنه أزمة مركبة داخل المجتمع المتكون من الأفراد المحرومين من حقهم في الماء.

 

السيد المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

لقد عاين المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية من خلال زياراته الميدانية دعما للحقوق البيئية للمواطنين ومساندة لتحركاتهم الاحتجاجية من أجل الحق في الماء والصرف الصحي، مظالم مختلفة وتداعيات مؤسفة لغياب هذين الحقين في العديد من المناطق واجهتها الدولة للأسف بالصمت و التجاهل والملاحقات الأمنية والقضائية لكل من يحتج دفاعا عن حقه في مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي.

في منطقة الشمال الغربي التي تحوي أهم مخزون مائي في البلاد كما في أرياف القيروان، تضطر مئات النسوة من الأرياف إلى قطع عشرات الكيلومترات من أجل بعض اللترات من الماء يحملنها على ظهورهن أو على ظهور الدواب ويقطعن بها أودية وأماكن وعرة متعرضات بذلك لشتى الأخطار من أجل ماء تجود به العيون والأودية الطبيعية التي لا تخضع لأي حملات مراقبة صحية وتكون عموما معرضة لأنواع التلوث بالمواد الصلبة كما تجهل تماما تركيبة مياهها الفيزيائية والكيميائية. ويتسبب هذا المجهود اليومي من أجل جلب الماء في ارهاق شديد للنساء يصل أحيانا إلى أمراض في العظام والمفاصل. ويرافق بعض الأمهات في رحلة جلب الماء اطفالهن الذين يضطرون للتغيب عن المدارس لمؤازرة الأم، مما يؤثر سلبا على نتائجهم الدراسية

من جانب آخر، يعيش مواطنون في حرمان من الماء الصالح للشراب على الرغم من المشاريع المبرمجة لتمكينهم من الماء والتي ترصد لها ميزانيات وبرامج انجاز من دون أن ترى النور. وبالإضافة إلى المشاريع المعطلة يعيش سكان بعض المناطق على وقع الانقطاعات المتكررة للماء التي تكون في بعض الأحيان مطولة تتجاوز السنتين إلى ثلاث سنوات. كما يعاني الكثير من التونسيين من تردي جودة المياه مما دفع بالعديدين إلى الالتجاء الى اقتناء المياه المعلبة مع ما يمثله ذلك من نفقات إضافية للعائلات خاصة محدودة الدخل منها. وتتزود عائلات أخرى من باعة متجولين يبيعون مياها أقل ثمنا من المياه المعلبة لكنها مجهولة المصدر وتشكل خطرا على صحتهم. ومع اقتراب فصل الصيف من كل سنة، تتفاقم أزمة العطش ويرتفع عدد المحتجين من أجل حقهم في الماء ومن أجل سياسات مائية ناجعة وعادلة. وتمتد خارطة الاحتجاجات من شمال البلاد الى جنوبها أين يغيب الماء ليس فقط في المنازل بل أيضا داخل منشآت عمومية ومراكز رعاية صحية ومؤسسات تربوية، خاصة في الأرياف.

تمثل مجلة المياه لسنة 1975 المصدر التشريعي الرئيسي الذي يؤطر استغلال الموارد المائية والتصرف فيها وتوزيعها على مختلف القطاعات المنتجة وقطاع الماء الصالح للشراب. وتقوم السياسة المائية في تونس على اعتبار الماء مجرد سلعة تباع وتشترى مع تغييب لدوره في ترسيخ العدالة الاجتماعية واهمال لجوانب المحافظة على ديمومته وترشيد استهلاكه وفق مقومات التنمية المستدامة وضمانا لحقوق الأجيال القادمة. ولا يتم توزيع الثروة المائية على أسس عادلة مما لا يتيح لجميع المواطنين الولوج اليه بنفس السهولة وبجودة متكافئة. 

السيد المقرر الخاص المعني بحق الإنسان في الحصول على مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي

 

أمام التدهور المتواصل لخدمات التزويد بالماء الصالح للشراب والصرف الصحي وفي ظل انطلاق برنامج حكومي لمراجعة مجلة المياه، يساهم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية ومنظمات وجمعيات أخرى في تصوره، ندعوكم إلى زيارتنا في تونس من أجل الاطلاع على ما سلف ذكره من إشكاليات في قطاع الماء وبرمجة زيارات ميدانية بالإضافة إلى التواصل عن قرب مع شبكة الفاعلين في قطاعي الماء والصرف للصحي ودعم مجهوداتنا من أجل تكريس الحق في الماء وخدمات الصرف الصحي للفئات الأكثر حرماناً وتهميشاً، فضلاً عن التأكيد على أهمية  المشاركة المدنية في تقييم وتجويد السياسات العامة المائية في كنف  التمكين والمساءلة والشفافية.

المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية

الرئيس عبدالرحمان الهذيلي

قراءة 516 مرات
الدخول للتعليق
اشترك في نشرتنا الإخبارية
Top
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…