jasminsnews - المستشفى المحلي بأم العرائس : إشكالات تحول دون توقيع العقد القانوني للتصرف الآمن في مخلفات الأنشطة الصحية

المستشفى المحلي بأم العرائس : إشكالات تحول دون توقيع العقد القانوني للتصرف الآمن في مخلفات الأنشطة الصحية

بقلم رحاب مبروكي, فرع الحوض المنجمي للمنتدى

في معتمدية أم العرائس لم تتوصل إدارة المستشفى المحلي منذ أكثر من السنة لاتفاق بخصوص إمضاء عقد قانوني مع إحدى الشركات المختصة في إزالة و معالجة النفايات الطبية بطريقة آمنة و صحية، مما يضع الإطار الطبي و الإداري أمام عديد الصعوبات خاصة على مستوى التعامل مع مخلفات الرعاية الصحية المصنفة “خطرة”. و على الرغم من تقديم طلبات عروض و الاتصال بعديد الشركات للتنسيق معها بخصوص إمضاء العقد المنصوص عليه بالقانون التونسي إلا أن الإشكال لازال قائما في ظل ما تفرضه هذه الأخيرة من شروط  كتحديد كمية النفايات و التعذر ببعد المسافة.

و على هذا الحال تتواصل الأزمة التي يعيشها المستشفى المحلي في ظل غياب دور الهياكل القانونية المعنية و على رأسها الوكالة الوطنية لحماية المحيط وعدم استجابة الشركات الموكولة لها مهمة التصرف في النفايات الطبية.

 

نفايات الأنشطة الصحية: كيف يعرفها القانون؟

يعرّفها الفصل 2 من الأمر عدد 2745 لسنة 2008 المتعلق بضبط شروط و طرق التصرف بنفايات الأنشطة الصناعية و الصحية على أنها كل مخلف إنتاج أو تحويل أو استعمال مواد أو منتجات بالمؤسسات الصحية و بصفة عامة كل منقول يتخلص منه أو ينوي التخلص منه و تكون هذه النفايات ناتجة عن أنشطة التشخيص أو المتابعة أو الأنشطة الوقائية أو العلاجية أو الملطفة في ميدان الطب البشري.

هذه النفايات تم تقسيمها إلى صنف عادي يتم التعامل معه بشكل طبيعي مثل النفايات المنزلية و يتكفل بإزالتها أعوان النظافة التابعين للبلدية ليقع وضعها بالمصبات البلدية المرخصة و المراقبة من قبل الدولة،وأخرى خطرة تم تعريفها في الفصل 5 من نفس الأمر على أنها تشتمل على النفايات الواخزة و القاطعة كالإبر و المباضع و الشفرات و السكاكين و قطع البلور و النفايات المتعفنة و النفايات البيولوجية المتأتية من الدم و النفايات الكيميائية المتأتية من المخابر و النفايات القابلة للاشتعال.

و يمكن أن يسبب الصنف الخطر مشاكل بيئية و صحية لا تحصى إذا لم تتم إدارتها بالشكل المطلوب كإطلاق مسببات الأمراض والملوثات السامة في البيئة و نقل عدوى الأمراض خاصة في ظل ما يمر به الوضع الصحي للبلاد من انتشار لفيروس كورونا و ضرورة الحرص على اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية لتلافي انتقال العدوى بين الأشخاص.

هذا الصنف الخطر من النفايات كانت قد أشارت إليه منظمة الصحة العالمية بإصدارها وثيقة إرشادية عالمية وشاملة بهذا الخصوص، وهي تحمل عنوان “الإدارة المأمونة لمخلفات أنشطة الرعاية الصحية”[1]، و تتناول جوانب من قبل الإطار التنظيمي، ومسائل التخطيط، والحد من المخلفات إلى أدنى مستوى ممكن وإعادة تدويرها، والخيارات الخاصة بمناولة المخلفات وتخزينها ونقلها ومعالجتها والتخلّص منها، و هي موجهة بالتحديد إلى مديري المستشفيات وسائر مرافق الرعاية الصحية ، وراسمي السياسات، ومهنيي الصحة العمومية، والمديرين المعنيين بإدارة المخلفات بجميع أنحاء العالم.

و في تونس أيضا وضعت الدولة سياسة تشريعية متكاملة للتعامل مع النفايات الطبية  بطريقة وقائية و صحية و إدارتها بشكل سليم يضمن سلامة الجميع.

فما هي الوسائل القانونية التي تكفل التصرف الأمن في النفايات الطبية المصنفة خطرة؟؟

الالتزام القانوني للمؤسسات الصحية

ينص المنشور عدد 77 الصادر في سبتمبر 2016على ضرورة اتخاذ كافة الإجراءات الكفيلة بفرض احترام عمليات إحكام التصرف في نفايات الأنشطة الصحية من قبل المسؤولين عن الهياكل و المؤسسات الصحية و الأشخاص الماديين الذين يمارسون  نشاطا صحيا، و تنفيذ النصوص الترتيبية المتعلقة بالإدارة الآمنة لهذا النوع من النفايات مع ايلاء عناية خاصة بتحسين عمليات الفرز الانتقائي لنفايات الأنشطة الصحية عند المصدر.

أما الأمر عدد 2745 لسنة 2008 المتعلق بضبط شروط و طرق التصرف بنفايات الأنشطة الصناعية و الصحية ينص في فصليه التاسع و الثالث عشر على ضرورة فرز النفايات الطبية الخطرة و وضعها داخل حاويات مكتوب عليها عبارة “خطرة” مع تحديد مصدرها و الأقسام المنتجة لها. كما ينص في فصله الثامن على وجوب تعاقد الهياكل و المؤسسات الصحية العمومية و الخاصة مع مؤسسات خدمات تعمل بمقتضى ترخيص يمنح لها و تكلف بعمليات نقل و معالجة و إزالة تلك النفايات.إلا أن بعض الشركات لا تستجيب لنداءات المستشفيات مثل وضعية المستشفى المحلي بأم العرائس بتعلة بعد المسافة و محدودية كمية النفايات الطبية التي يخلفها المشفى.

مستشفى أم العرائس خارج الاعتبارات

في الوقت الذي توكل فيه المؤسسات الاستشفائية المتعاقدة مع شركات مختصة في التصرف الآمن في النفايات الصحية مهمة معالجة نفاياتها والتصرف فيها ونقلها إلى المصبات، تظل المؤسسات غير المتعاقدة تتكبد عناء معالجة هذه النفايات بمفردها تماما مثل ما يحدث بمستشفى أم العرائس. و في هذا الإطار توضح السيدة وريدة بلحسن فني سام في الصحة  محاولات المستشفى للتعاقد مع العديد من الشركات لكن الوعود الزائفة و عدم الاستجابة للطلبات هو عنوان تعامل هذه الأخيرة مع مطالب المستشفى.و على مستوى تعامل الإطار الطبي مع مخلفات الأنشطة الصحية أكدت لنا انه يتم في البداية تقسيم النفايات داخل المستشفى إلى عادية و خطرة مع أخذ الإجراءات الوقائية اللازمة.

بالنسبة للنفايات العادية يتم تجميعها داخل حاويات و تسليمها إلى أعوان النظافة التابعين للبلدية لنقلها إلى المصب البلدي بالمدينة مثلما أكد لنا السيد ونيس بن يونس الناطق الرسمي لبلدية أم العرائس. أما النفايات الخطرة فتخصص لها حاويات محكمة الغلق لتجميعها و حرقها، و رغم أن عملية الحرق تتم بعيدا عن المناطق العمرانية إلا أن ذلك  يعد ممارسة غير صحية يجب تفاديها لأنها تسبب تأثيرات خطرة البيئة و على صحة الإنسان و رفاهه .

 

و قد أشارت إلى هذه المخاطر منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقريرها حول المخاطر الصحية لحرق النفايات الطبية الذي عنونته ب “كأنك تستنشق موتك…المخاطر الصحية لحرق النفايات الطبية في لبنان” و الذي توصلت من خلاله إلى “أن الذين يسكنون بالقرب من أماكن الحرق المكشوفة يعانون من مشاكل صحية تتوافق مع التنشق المطول والمتكرر لدخان محارق النفايات. منها، مرض الانسداد الرئوي المزمن، السعال، التهابات الحلق، أمراض جلدية، والربو. “

و في محاولة لوضع حد لهذا الخطر أوضح مدير المستشفى السيد محمد رضا المحمدي بأن من أولويات المرحلة الحالية هو إمضاء عقد مع شركة تتكفل بالإدارة الآمنة و الصحية للنفايات الطبية غير أن كمية النفايات المنتجة التي لا تتجاوز 30 كلغ شهريا و التي تعتبر كمية قليلة مقارنة بالمستشفيات الكبرى و الجهوية و أيضا بعد المسافة باعتبار أن منطقة أم العرائس تتواجد في الجنوب الغربي للبلاد و أقرب الشركات التي تم الاتصال بها مقرها ولاية القيروان التي تفصلها عن المدينة أكثر من 200 كلم ، كل هذه الأسباب لا تحفز هذه الشركات على التعاقد مع إدارة مستشفى المدينة لإزالة هذا الخطر القائم منذ سنوات. و يأتي هذا التصريح بالتزامن مع ما أدلى  به ممثل وكالة التصرف في النفايات بجهة قفصة السيد جمال تاجوري الذي أكد على وجود شركتين للتصرف في النفايات الطبية بالجهة و ما على إدارة المستشفى إلا أن تختار ما يتماشى مع إمكانياتها المادية. و بخصوص المخالفات المرتكبة على مستوى أماكن التخلص من النفايات أكد بأنها لا تشمل وكالة التصرف في النفايات لأن دورها فني فقط و بالتالي فان التصرف في هذا الصنف من النفايات  يبقى من مهام وكالة حماية المحيط التي تتحمل مسؤولية القيام بالتتبعات القانونية التي تصل في بعض الأحيان إلى درجة الغلق. لكن يظل الحال كما هو دون حرص منها على التدخل لإنقاذ الوضع و الحد من المخالفات المرتكبة ، و الذي أكد مديرها الجهوي السيد شكري إبراهيم في اتصال هاتفي أجريناه معه لإعلامه بأزمة النفايات  الطبية بالمستشفى، على أن “الوكالة ستقوم بالتدخل لحل هذه المعضلة في اقرب الآجال”. دون تحديد هذه “الآجال” متى؟ و كيف سيتم التصرف في هذه النفايات؟ علما و أن عدم التدخل العاجل في حل هذا الإشكال يمكن أن يسبب أخطارا بيئية و صحية جسيمة يتكبدها سكان المدينة.

التعامل مع الشأن الصحي لا يتطلب تأجيلا و إدارة مخلفات الرعاية الصحية تحتاج زيادة الاهتمام والاجتهاد في تلافي عبء المرض الكبير المرتبط بسوء التعامل معها، بما في ذلك التعرض للعوامل المُعدية والمواد السامة. ولا غنى عن الالتزام والدعم من جانب الحكومة و خاصة وزارتي الصحة و البيئة حتى يتسنى إدخال تحسينات طويلة الأجل، ولو أنّه يمكن اتخاذ إجراءات فورية على الصعيد الجهوي من طرف الوكالة الوطنية لحماية المحيط التي يتعين عليها تقديم حلول مناسبة و ممكنة يمكن التحرك بها صوب إدارة آمنة للنفايات الطبية الخطرة كما أنها تحمل مسؤولية تسهيل تعاقد المستشفى مع إحدى الشركات المذكورة و إشرافها على كافة الإجراءات المنصوص عليها في النصوص القانونية المتعلقة بهذه المسألة و كذلك متابعتها لإجراءات العمل و النقل الصحي و الآمن للنفايات، و هي المسؤولية القانونية التي تفرضها القواعد التشريعية عليها في إطار تعاطيها مع المشاكل الصحية و البيئية بالمناطق التابعة لها.

و في ظلاستمرار الوضع على هذا الحال يبقى السؤال المطروح إلى متى سيظل مشكل النفايات الطبية على حاله بمستشفى أم العرائس ؟ و متى ستستجيب السلطات المركزية  لنداء أهالي المنطقة في إيجاد حل لهذه الأزمة البيئية ؟ و هل أن التدخل غير محدد الأجل الذي وعدت به الوكالة الوطنية لحماية المحيط سيكون المنقذ الذي سيزيل خطر تأثير هذا الصنف من النفايات على بيئة المنطقة و صحة سكانها.

 

 

قراءة 1054 مرات
الدخول للتعليق
اشترك في نشرتنا الإخبارية
Top
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…