من اجل مجلة مياه شاملة ومستدامة لتونس الخضراء
يأتي هذا اليوم المفتوح في سياق المنتديات الإقليمية والأيام البرلمانية حول مجلة المياه التي ينظمها برلمان القرب المفتوح وخبراء التنمية المستدامة وشبكة البرلمان من اجل تعزيز الشراكة مع المجتمع المدني، ومزيد التعاون مع أصحاب المصلحة لخلق فرص للمساهمة في وضع تشريعيات تعالج الأولويات الوطنية بصفة عامة كما توفر فرصة جديدة مع المجتمع المدني ورجال الاعلام لتبادل المعارف والخبرات من شأنها أن تساعد على الدفع في قضايا المياه التي تعيشها مختلف ربوع البلاد قصد الوقوف على متطلبات صياغة نص متكامل للتصدي للتحديات
يعتبر الماء موردا طبيعيا أساسيا للحياة ومادة ضرورية ترتكز عليها التنمية الاقتصادية وهو يشكل تحد سياسي كبير للبلدان التي تشكو اجهادا مائيا كبيرا على غرار بلادنا حيث لا تتجاوز حصة الفرد الواحد في السنة 450 مترا مكعب وهو دون الألف 1000 التي تعتبر خط الفقر المائي وهي مرشحة الى التراجع في افق 2030 الى اقل من 350 م مكعب مما قد يؤدي الى تهديد خطير للتنمية المستدامة والسلم الاجتماعي والوحدة الوطنية إذا لم تتخذ الإجراءات المناسبة.
.
ومنذ القدم، تتميز نظم استعمال المياه في تونس بقواعد قانونية ذات مصادر مختلفة، حيث أن أول نص قانوني يخص المياه يتعلق بضبط مفهوم الملك العمومي للمياه صدر في 24 سبتمبر 1885، يليه الأمر المؤرخ في 24 ماي 1920 والمتعلق بإحداث مصلحة خاصة بالمياه وإنشاء صندوق يعنى بالري الفلاحي والاستعمال الصناعي وتكوين لجنة المياه.
وقد ثبّتت مجلة المياه الصادرة بالقانون عدد 16-75 المؤرخ في 31 مارس 1975 التشريع السابق لها مع إضافة مفاهيم جديدة تخص المحافظة على المياه والاستغلال الأمثل لها..
إلا أن هذه المجلة أصبحت غير ملائمة لمتطلبات المرحلة الحالية ولا تستجيب لضروريات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والصحية والبيئية للبلاد مع عدم تطابقها مع مقتضيات دستور 27 جانفي 2014 الذي كرَّس الحق في الماء وواجب المحافظة عليه وترشيد استغلاله من قبل الدولة والمجتمع. ولعل اهم النقائص التي برزت خلال أكثر من أربعين سنة استغلال تتلخص في:
1- الاستغلال المفرط والمكثف للخزانات المائية الباطنية الذي فاق طاقتها المسموح بها لعدم شمولية أحكام المجلة الحالية وتوجهها أساسا نحو العرض،
2- تدهور نوعية المياه اعتبارا لتعدد مصادر التلوث وانعكاسات السحب الجائر،
3- غياب البرمجة المندمجة للثروة المائية على الصعيد المحلي والجهوي والوطني،
4- عدم نشر المعلومة المتعلقة بالمياه مما يفقد الشفافية والضمانات المستوجبة لحث الاستثمارات المرتبطة بهذا القطاع الحيوي،
5- محدودية البرامج للحد من تأثيرات التغيرات المناخية
شدّة التنافس على طلبها ممَّا انجر عنه اضطرابات كبرى في التوازنات المائية المعهودة،
6- غياب مساهمة المجتمع المدني في التصرف المندمج في المياه وعدم مساهمة المستغلين ومستعملي المياه في أخذ القرار،
7- عدم ملاءمة الإطار المؤسساتي الحالي لمتطلبات التصرف الرشيد في الموارد المائية والمحافظة عليها ومراقبتها،
8- عدم تحيين الجانب الردعي المتعلق بالجرائم والعقوبات منذ صدور المجلة سنة 1975 مما ساهم في تفشي ظاهرة الاعتداءات على الملك العمومي للمياه وتردي التوازنات المائية،
9- قصور مجامع التنمية الناشطة في مجال المياه في إدارة المنظومات المائية وفشل مراقبة أداءها الإداري والمالي.
وبناء على ما سبق ذكره، فقد اتجه الخيار إلى سنِّ مجلة جديدة للمياه تتلاءم ومتطلبات المرحلة الحالية والمستقبلية ومكرسة لأحكام دستور 27 جانفي 2014 خاصة منها الحق في الماء والحق في البيئة السليمة والعيش الكريم والتنمية المستدامة والتوازن بين الجهات باعتماد التمييز الإيجابي، وبناء عليه قدمت الحكومة منذ سنة 2019 مشروع قانون أساسي يتعلق بإصدار مجلة المياه إلى مجلس نواب الشعب، بهدف القيام بمراجعة شاملة للمجلة الحالية التي لم تشهد منذ إقرارها إلا تنقيحا واحدا بمقتضى القانون عدد 116 المؤرخ في 26 نوفمبر 2001 .
وتكريسا لمبدأ التشاركية شكلت تجربة البرلمان القرب المفتوح بمساندة خبراء التنمية المستدامة بالتشاور مع عمداء الخبراء على غرار سي عامر الحرشاني اللذين واكبوا كل الندوات الإقليمية والندوة الوطنية منهجية تساعد على تعزيز الانفتاح التشريعي من خلال عملية مبتكرة تنطوي على تعاون وتفاعل كبيرين مع المجتمع المدني وجميع أصحاب المصلحة.
شكلت الأيام البرلمانية منبرا حقيقيا للنقاش حول جميع أوجه قطاع المياه وسهلت التوافق عبر الحوار والشفافية حول صياغة مختلف الفصول المعروضة بعد الاتفاق على المبادئ الأساسية، ويفضي هذا التمشي إلى إعداد إطار عمل قانوني سليم يمكن كل أصحاب المصلحة بما في ذلك السلطة التنفيذية من القيام بأدوارها بفعالية ضمن الحدود التي يضعها النص التشريعي
ولعل اهم ما ميز النص المتفق عليه في لجنة الفلاحة والامن الغذائي والتجارة والخدمات ذات الصلة الذي اقر:
ضرورة تجاوز السياسات الحالية المتسمة بما يلي:
- تفاقم الحرج المائي خلال السنوات القادمة،
- اختلال الموازنة المائية في العديد من الجهات،
- عدم وجود منظومة يقظة للتزود بالماء الصالح للشرب او البيئة،
- اختيار الأسس البناءة للتوجهات المستقبلية:
- اعتماد مقاربة التصرف المتحرك والتفاعلي لتحقيق التوازن بين العرض والطلب،
- التقيد بقواعد الحوكمة والاخذ بالاعتبار تصرف بمستوياته الثلاثة (الوطني /تعديل) جهوي ومحلي (تصرف /تحكيم)،
- تلازم الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية،
- إقرار خارطة انتاج فلاحي جديد قائمة على البصمة المائية لكل المنتجات،
- شمولية المنظومة المائية للبعد الطاقي والتكنولوجي والأمن الغذائي،
تقاسم التحديات مع المستعملين وجميع المتدخلين،
- بناء خطط العمل اعتمادا على متطلبات التأقلم الفعال مع المتغيرات والمستجدات التي تفرز بدورها تحديات جديدة،
- غايات الإصلاح التشريعي:
- اخضاع قطاع المياه لتصرف واشراف الدولة،
- إحداث تغييرات هيكلية جذرية على مستوى حوكمة القطاع،
- إنهاء التمييز في التصرف في المياه بين المجالين الريفي والحضري،
- مراعاة وحماية المنظومات البيئية،
- سنّ سياسة جزائية رادعة،
يشمل مشروع المجلة الذي تمت إحالته من قبل لجنة الفلاحة والأمن الغذائي والتجارة والخدمات ذات الصلة على أنظار الجلسة العامة خاصة ما يلي:
على مستوى تبويب مشروع المجلة:
يشمل هذا التبويب خاصة:
- تخصيص العنوان الأول للأحكام التوجيهية للمجلة والمبادئ التي ستنبني عليها السياسات المائية المستقبلية للدولة مع تعريف المصطلحات التقنية المصاغة ضمن أحكام المجلة،
- تقسيم العنوان الثاني إلى بابين، يتعلق الأول بتحديد الملك العمومي للمياه والثاني بحمايته والحفاظ عليه،
- يشمل العنوان المتعلق بحوكمة الملك العمومي للمياه ثلاثة أبواب وهي: الإطار المؤسساتي والهيكلي، الاستراتيجيات والمخططات، البيانات والأنظمة المعلوماتية،
على مستوى أهم المستجدات الواردة بمشروع المجلة:
- التمييز بين الملك العمومي الطبيعي والاصطناعي للمياه،
- احداث مناطق صيانة ومناطق تحجير تتطلب الحصول على ترخيص للقيام بتنقيبات أو احداثات جديدة،
- احداث تغييرات هيكلية جذرية على عدة مستويات (المجلس الأعلى للمياه عوضا عن[D1] [D2] المجلس الوطني للمياه / اللجان الجهوية للمياه / الهيئة الوطنية التعديلية لخدمات المياه / الوكالة الوطنية لحماية الملك العمومي للمياه / المؤسسات العمومية للتصرف في المنظومات المائية بالمناطق السقوية العمومية / ابقاء هذه المجامع المائية لفترة الانتقالية /
- إلزامية انجاز مخططات واستراتيجيات وبرامج وفقا لمبادئ التصرف المندمج في الموارد المائية بصفة دورية كل خمسة سنوات ووفق مقاربة تشاركية،
- اعتماد على شبكة وطنية لرصد الموارد المائيّة،
- الاقتصار على اعتماد طريقتين فقط في استغلال واستعمال الملك العمومي للمياه وهما الترخيص واللّزمة،
- التأكيد على الحق في التزود بالماء الصالح للشرب والصرف الصحي وفق المواصفات التونسية ومنح الانشطة المندرجة ضمن هذا الحق صفة "خدمات مياه ذات أولوية"،
- انهاء التمييز بين الوسط الريفي والوسط الحضري في مجال التصرف في خدمات الصرف الصحي والتصرف في بنيتها التحتية حيث تم التأكيد على ان هذه الخدمة هي مشمولات الدولة عبر مؤسساتها المحدثة في الغرض دون اي تفريع لهذا الاختصاص،
- تكريس مقاربة بيئية لتنمية استدامة المياه،
- اشراف الوكالة الوطنية لحماية الملك العمومي للمياه على حماية الملك العمومي للمياه،
- التشديد في العقوبات المسلطة على مرتكبي الجرائم التي تمسّ الملك العمومي للمياه،
- إقرار أحكام انتقالية تضبط التمشي الانتقالي ومدته خاصة في مجال نشاط الهياكل القديمة والهياكل الجديدة التي سيتم اقرارها اضافة لتحديد تمشي تصفية التزامات الهياكل القديمة،
الملاحظات والمقترحات الإضافية للخبراء:
وبعد الاطلاع على ما تم اقراره من إصلاحات هامة توافقت بنسب تفوق 90% مع اقتراحات خبراء التنمية المستدامة اثناء المصادقة في اللجنة يقترح الخبراء لمزيد الاثراء المقترحات التالية :
- اقران إحداث المجلس الأعلى للمياه مع مسألة المناخ كما يلي “يحدث مجلس أعلى للماء والمناخ" عوض " المجلس الأعلى للمياه “وذلك لما أثبتته الدراسات الوطنية والإقليمية والعالمية أن ما سيشهده العالم خلال السنوات القادمة من تقلبات مناخية وخطر العجز المائي الناجم عنها يحتم التوجه نحو اعتماد سياسات التأقلم نحو الأمن المائي،
- ان تشمل مهام الهيئة التعديلية في نفس الوقت مهام ومشمولات هيئة تحكيمية اي"الهيئة الوطنية التعديلية والتحكيمية لخدمات المياه"، حيث أن هدفها الأساسي يقوم بدرجة أولى على الدفاع عن حقوق المستهلكين للمياه وتتولى من هذا المنطلق تعديل تدخلات مختلف الهياكل المشرفة أو المكلفة بإدارة المياه –وهي تنتمي برمتها للقطاع العام -بما يتلاءم مع حاجيات وتطلعات وإمكانيات المستفيدين من خدماتها سواء من منظور اقتصادي أو اجتماعي يراعي جميع فئات وشرائح المجتمع التونسي من جهة، كما أنها تسعى إلى الوصول إلى العدالة الخاصة بالنظر في الانتهاكات المتعلقة بحقوق الإنسان في مجالي المياه والصرف الصحي لا سيما في غياب محاكم مختصة،
- إدراج ضمن الأحكام الانتقالية حلا جذريا لتوحيد خدمات المياه والصرف الصحي في المناطق الحضرية والأرياف يطبق عل مرحلتين:
- تدمج خدمات المنشأتين العموميتين المكلفتين باستغلال وتوزيع المياه وتطهير المياه بالأوساط الريفية منذ السنة الأولى لدخول مقتضيات هذه المجلة حيز التنفيذ،
- تدمج المنشأتان العموميتان المكلفتان باستغلال وتوزيع المياه وتطهير المياه كليا في إطار منشأة عمومية واحدة قبل موفي السنة الثانية لدخول مقتضيات هذه المجلة حيز التنفيذ،
- ويضمن هذا المقترح تكريس كونية عدالة حقوق الانسان، وكذلك شمولية التدخلات لتحقيق أفضل خدمات المياه والصرف الصحي للجميع بتكاليف مدروسة وجودة مطابقة للمواصفات،
- مزيد التركيز على دعم البحث العلمي في مجال المياه وتأثيرات التغيرات المناخية على هذا القطاع الحيوي،
- إضافة بعض التعريفات المتعلقة بالمصطلحات الواردة بمشروع المجلة خاصة وأن التنصيص على تعريف المصطلحات المعتمدة في المجلة شكل مطلبا ملحا من قبل العديد من المتدخلين في الأيام البرلمانية المركزية والإقليمية،
- التأكيد على ادماج إنتاجية المياه في القطاع الفلاحي واعتماد البصمة المائية لكل المنتوجات الفلاحية وبالتالي التوصية بإعداد خارطة توجيهية للإنتاج الزراعي وربط التطبيق بالحوافز المدرجة في مجلة الاستثمارات(متابعة رضا الزعيبي)