ياسمين نيوز: رضا الزعيبي
تعتبر الأسرة هي الوحدة الأولى في المجتمع، بل هي صمام الأمان والاستقرار إذا صلحت صلح المجتمع ككل، وعندما نتحدث عن الثقافة الرقمية فإنما نتحدث عن المستقبل لمجتمعنا ومستقبل الطفولة والأطفال في هذا المجتمع الذي نأمل له كل الخير والتقدم والازدهار في ظل طفولة سعيدة حقا سوف تحكم هذا الوطن عندما تكبر في العقود القادمة. فالأطفال والشباب هم أكثر الفئات العمرية استجابة للتغيير التكنولوجي والاجتماعي والثقافي، ومن ثم فهم صانعوا التطور والتغيير.
وإذا كان الاعتقاد السائد أن الثقافة تمر من الكبار إلى الصغار دوما، فلنا أن نتساءل هنا أن الصغار خصوصا في ظروف الانتقال إلى تلك المرحلة التكنولوجية وما ترتب عليها من تغيير في أساليب الحياة والمعيشة أقدر على الاستيعاب وتمريرها إلى الكبار، أي بإمكان الصغار نقل معارفهم ومعلوماتهم إلينا ونقل المسائل التي تتعلق بالإنجازات العلمية والرقمية بحيوية وقدرة أكبر.
ولقد طرأ الكثير من التغييرات على الأسر بوجه خاص نظرا للثقافة الوافدة علينا من خلال ما يعرف بعصر الموجة الثالثة وهو العصر المعلوماتي التي رافقته ثورتان تكنولوجيتان هما:
- ثورة الاتصالات
- ثورة تقنية المعلومات من خلال الأجهزة الإلكترونية المتنوعة سواء كانت هذه الأجهزة (حواسيب، أجهزة فيديو، ألعاب إلكترونية، سينما، فضائيات، هواتف محمولة، أنترنات،...).
الثقافة الرقمية وكيفية حماية الطفل
إن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المكان هو هل أن إشاعة أدبيات الثقافة الرقمية أو الإلكترونية بين أطفالنا يؤدي إلى إشاعة نمط التفكير العلمي السليم بوعي شامل؟!، بمعنى أننا نريد لهم أن يفكروا بطريقة علمية في تعاملهم مع هذه الأجهزة وبطريقة هادفة ودقيقة وواقعية دون تعصب أو انفلات أخلاقي أو قانوني. ولهذا توجب علينا أن نوجه الطفل للتعلم الجاد والتعامل المنتج مع هذه الأجهزة الرقمية بإيجابية وتجنب مختلف السلبيات.
كما يجب علينا أن نعتني بتثقيفه العلمي وشحن تصوراته بالانجازات العلمية لدفعه على الخلق والإبداع والتنمية.
ولهذا لابد لنا أن نربط بين الثقافة العلمية النظرية التي يقوم الطفل بدراستها أو قراءتها أو معرفتها بالتطبيق العلمي عند استخدامه لهذه الأجهزة الإلكترونية.
إن لدى الأطفال شغف كبير لاستعمال هذه الأجهزة والإبحار في عالم الأنترنات، ولنا أن ننتبه إلى السلبيات التي قد تنجم عن هذا الاستخدام، وتوعية أطفالنا وتوجيههم إلى الاستخدام العلمي الأخلاقي دون أدنى إخلال بقيمنا ومبادئنا وأصالتنا العربية الإسلامية.
إن تنمية المواهب العلمية بدءا من الأسرة والمدرسة والمؤسسات المسؤولة عن الطفل تفتح أمام أجيالنا آفاقا مستقبلية في مواكبة لغة العصر واكتساب الثقافة الرقمية، وهي مهمة عاجلة ومقدسة لا يجوز التواني عنها أو تأجيلها لأن ذلك يعد خيانة لمستقبل أطفالنا، لكن لابد من توفر ضوابط حماية قانونية وتوعوية لتلك الفئة الهامة من شرائح المجتمع ابتداء من دائرة الأسرة إلى كافة المؤسسات، وهنا ندعو إلى تضافر الجهود والتعاون بين كافة قطاعات المجتمع (الحكومي/القطاع الخاص/الأفراد والمجتمع المدني) وفي هذا المجال نوصي بما يلي:
- تفعيل الجهود القائمة بهدف الحد من الفجوة الرقمية في بلداننا.
- الحرص على اكتساب الثقافة الرقمية والتحكم في وسائل التكنولوجيا الحديثة وتوظيفها في خدمة التنمية.
- اعتبار المرأة شريك أساسي في المجتمع له دور فاعل في المجتمع لتحقيق المسيرة التنموية، مع التأكيد على ترسيخ فكر التفاهم والحوار، وتوزيع الأدوار داخل الأسرة، والتوعية بأهمية دور الأسرة في حماية الطفل.
- أهمية رسم السياسات الوطنية المتكاملة لتنمية قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصال وتأمين الانخراط الفاعل لمختلف الشرائح الاجتماعية وفي مقدمتها المرأة والأسرة ضمن الفضاء المعلوماتي.
- ترسيخ مبدأ العدالة وتكافئ الفرص في النفاذ إلى شبكات ونظم وخدمات الاتصال الرقمية من خلال وضع خطط علمية متكاملة العناصر والتي ترمي إلى نشر فكر الثقافة الرقمية بين مختلف شرائح المجتمع مع الإحاطة والرعاية لذوي الاحتياجات الخاصة وحقهم في امتلاك هذه الفرص.
- كما لا ننسى الأسرة والطفل في المجتمع الريفي وحقه في اكتساب وسائل التكنولوجيا الحديثة، وترسيخ الثقافة الرقمية لديه.
- دعم ورعاية الأطفال وحمايتهم في مناطق النزاع المسلح والحروب والمناطق المحتلة، وذلك في نطاق تطبيق مبادئ حقوق الإنسان وحقوق الطفل.
- أهمية دعم وتطوير وسائل الإعلام لاستيعاب الثقافة الرقمية، لما لها من دور هام وفاعل في توعية الأسرة والطفل والمجتمع.
- تطوير المناهج التربوية وتضمينها مبادئ الثقافة الرقمية لتدريسها في المؤسسات التربوية، والحث على الاهتمام بالتنظيم العلمي والتكويني لتحقيق الاكتشاف والإبداع لمخرجات التعليم.
- الدعوة إلى نشر مبادئ قانون الأنترنات.
- القضاء على مظاهر الأمية وأسباب الفقر والبطالة لدى الفئات الضعيفة، والدعوة إلى مساعدتهم لخلق مواطن شغل لهم وحمايتهم من الاستقطاب الأخلاقي.
إن الثقافة الرقمية للأطفال هي جزء من الثقافة الكلية للمجتمع، بل هي تظهر مدى تحضر ومواكبة هذا المجتمع لروح العصر. فالمجتمع الذي يرى أهمية لقيمة معينة تظهر في ثقافة وتكوين الأطفال وتعاملهم داخل الأسرة وخارجها. وكلما كان الأبوين من ذوي التعليم والثقافة العالية ساعد ذلك الأطفال على أن ينشؤوا في بيئة ثقافية صحية.
ومن ثم فإن ثقافة هذا الجيل الجديد من أبنائنا تتشكل من خلال اكتسابه تلك الثقافة الرقمية واستخداماته للأجهزة الإلكترونية كي يتماشى ويواكب مسيرة التنمية الشاملة لمجتمعنا.