احتفاءا بالرصيد الوطني المتميّز لفن الفسيفساء وسعيا إلى مزيد الانفتاح على منطقة شمال وشرق البحر الأبيض المتوسط، يحتضن المركز الثقافي الدولي بالحمامات "دار سيباستيان" من 26 فيفري الجاري إلى 8 مارس القادم اللقاء الدولي الخاص بصناعة الفسيفساء وذلك بمشاركة ثلة من الفنانين من تونس ومصر والجزائر وصربيا واليونان وتركيا وإيطاليا وفرنسا.
وتعتبر هذه التظاهرة ذات الأبعاد الفنية والثقافية والتاريخية والاقتصادية فرصة مهمّة لتبادل الخبرات بين الفنانين والمبدعين في صناعة الفسيفساء من تونس والخارج ومزيد الدفع بهذا القطاع الحيوي ضمن مقاربة تنموية مستديمة.
جدير بالذكر ان البلاد التونسية تمتلك مجموعة فنية من الفسيفساء ذات شهرة عالمية ما انفكّت تنمّيها وتعزّزها اكتشافات جديدة،وقد اعتبر المتخصّصون في هذا الميدان مجموعة شمال افريقيا وخاصة منه ما صدر عن ورشات مقاطعتي Proconsularis و Byzacium ما يعادل مساحة البلاد التونسية اليوم من أغنى ما أنتجته المقاطعات الرومانية القديمة وأروعه، إلا أنّ دراسة هذا الفن لم تستقطب اهتمام المؤرخين والمتخصّصين في علم الآثار إلا في العقود الأخيرة. ولعل التئام المؤتمر الأوّل للفسيفساء الإغريقية الرومانية بباريس سنة 1963 هو الذي كان له الفضل في إظهار مقوّمات العمل الفسيفسائي، النوعيّة التي لها ارتقى بعد ذلك إلى مستوى فنّ مستقلّ استرعت مظاهره المختلفة اهتمام الباحثين في العالم.
وقد أبرزت الدراسات الحديثة بعض ملامح المدرسة الافريقية للفسيفساء التي تميزت،وهذا باتفاق المتخصّصين،على بقية المدارس الإقليمية الأخرى بوفرة إنتاجها وخصوبة ابتكاراتها وطرافتها وبجودة عملها التقني، كما مكّنتنا من معرفة الخطوط الكبرى لتطوّر فنّ الفسيفساء ببلادنا كفنّ جميل استمرّ استخدامه أربعة عشر قرنا،فبعد الفترة القرطاجية التي عرفت فيها "المفارش البونية" رواجا منقطع النظير نجد صداه في بعض النصوص الرومانية تلت حقبة فراغ وركود في جميع الميادين إثر الحرب البونية الثالثة وتواصلت إلى أن أعيد بناء قرطاج في أيام حكم الإمبراطور أوغسطوس ثمّ استرجعت مقاطعة إفريقية ازدهارها الاقتصادي شيئا فشيئا في القرن الأوّل والنصف الأوّل من القرن الثاني الميلادي فنشطت بذلك الحركة المعمارية وظهرت مصانع الفسيفساء بعدة مدن كقرطاج وأوتيكا وأكولا قرب صفاقس والجم وغيرها، وقد تميّز إنتاج هذه الفترة بالتأثير الإيطالي الذي نتبّينه من نوعية التركيبات الهندسية وكيفية خطها بمكعبات سوداء داخل أرضية بيضاء والذي تزامن انتشاره مع دخول عناصر شرقية تلوح في طرق موضوعات ميثولوجية كالتي ترتبط بديونيزوس إله الخمر عند الإغريق أو تصوير الحياة اليومية على ضفاف النيل أو مشاهد الطبيعة الميتة .
ثمّ تخلّص الفنانون الأفارقة في الحقبة الموالية التي تبدأ في النصف الثاني من القرن الثاني الميلادي من هذا التأثير البسيط لكن الأنيق رغم أنه خُطّ باللونين الأبيض والأسود فقط وكوّنوا مدرستهم التي سرعان ما تميزت بعدة خاصيات، منها تعدد الألوان وإغناء "سجلّ النماذج" بابتكار تركيبات هندسية وخاصة بتطوير الأسلوب الزخرفي النباتي الذي أبدعت فيه المدرسة الافريقية فقلدتها نظيراتها بالمقاطعات الأخرى. أمّا الرسوم التمثيلية فإنها لم تكن وفيرة الإنتاج في هذه الفترة باستثناء ما صنع بمدن مقاطعة المزاق (وسط البلاد وجنوبها) حيث تجذرت التقاليد الفنية الهلينية الشرقية بتزدروس الجم وأكولا وطينا... وقد مكّنتنا الاكتشافات الحديثة من التعرف إلى خاصيات منطقة داخلية لهذه المقاطعة تتحدّد حول كبصا القديمة قفصة
واحتفاء بهذا الرصيد الهائل من الفسيفساء ببلادنا و انفتاح العلامات و الرموز على شمال و شرق المتوسط ينظم المركز الثقافي الدولي بالحمامات اللقاء الدولي الخاص بصناعة الفسيفساء كأثر فني استخدمه مجموعة من الفنانين في شمال و جنوب المتوسط كقوة تعبير في أعمالهم الفنية التي تعرض بداية برواق الفنون بدار سيبستيان وذلك بمشاركة كل من إيناس مراد من مصر وعدل الدين خلوفي من الجزائر وBecha Kabakaw و Loukia Orfano من سربيا و Bahriye Marti Güler من تركيا و Angela Ciccarello من ايطاليا وIsabelle zeller و Lucie saule من فرنسا الى جانب مشاركة التونسيين قيس الشواشي، كريم كريم ،الناصر الهمامي ،مكرم زروق،رؤوف رحيم،بديع جاء بالله،نزيهة مليتي و لطيفة بيدة
وسيفتتح هذا اللقاء الدولي بورشة موزاييك مفتوحة للفنانين و العائلات و زوار حدائق الفنون بالمركز الثقافي الدولي بالحمامات فتنظيم ورشة ترميم اثر الفنان علي بن سالم في الموزاييك الموجود بحديقة دار سيبستيان و إعادة عرضه لزوار المؤسسة فافتتاح المعرض الدولي للفسيفساء برواق دار سيبستيان ثم تنظيم حفل استقبال على شرف المشاركين
منصف كريمي