حومتنا فنانة، الدورة التاسعة ملغاة
"ياقوم إلامَ وحتّـــامَ" تهميش الفعل الثقافي
"حومتنا فنانة" مهرجان مُختلف للإبداع والفنون، أحد التجارب التي تسعى لتحقيق "الحق في الثقافة للجميع" وأمكن لفضاء مسار أن يفرض استمراريته لثمان سنوات متتالية. آمن به مبدعون وفنانون من مختلف مهن الفنون، من تونس وخارجها. كان له جمهور من الحي ومن كلّ مكان. أصبح تجربة ناجحة نُقلت إلى أحياء أخرى في بلدان منطقتنا أشاد بها الوزراء المُتعاقبون، وتريد إدارات الوزارة وأدها. زارتنا الوزيرة الحالية قبل أسبوعين من انطلاقه، ثم حاصرتنا قرارات الرفض والتجاهل الإداري قبل يومين من الافتتاح.
لقد قررنا إلغاء الدورة التاسعة لعدم قدرتنا على الالتزام تجاه الفنانين الذين تعاقدنا معهم وكمثال على ذلك نستحضر إجابة المندوب الجهوي للثقافة بتونس الذي يدعّي أن "تظاهرتكم غير مدرجة ضمن البرمجة السنوية للمندوبية وبالتالي لم يتم رصد الاعتمادات اللازمة لتمويلها"، والحال أننا طلبنا دعم المهرجان باقتناء عرض فني فإن لم يكن مُبرمجا عنده أو استوفى عدد العروض في هذه الحالة يتم تغييره لا أن يرفض المطلب كليا كما أنّ "حومتنا فنانه" مُدرج في سجلات المندوبية منذ سنوات وتلقى دعما لعروض الفنانين.
تتعمّد بعض الإدارات -باستثناء إدارة المسرح التي كانت تتفاعل إيجابيا- تجاهل مطالبنا ككل عام، وفي كل مرّة يتدخّل الوزير(ة). ولكلّ وزير نُعيد شرح الأمر والتذكير بما نعانيه من عراقيل سواء تلك التي تخصنا بشكل مباشر أو ما تعلّق بـ"بيروقراطية" التعامل وتجاهل أهل مهن الفنون وتعطّل صرف منحهن/م وتعقيد الاجراءات.
كنّا متحمسين هذه السنة لاستضافة الفنان محمد منير الذي استجاب لدعوتنا من منطلق إيمانه بفكرة المهرجان بعد أن كان ضيفنا المميز للسنة الفارطة الفنان خالد الهبر.
"حومتنا فنانة" لم تعد ملك مسار وحدها، أصبحت مُشتركا فنيّا ومواطنيّا مُجدّدا. ولكنّها خارج سياسات "البيروقراطية الثقافية" التي لا تجد أنّ "لامركزية الفعل الثقافي" مهمّة، ولا تعتبر أنّ الفنون حقٌّ وأنّ أبناء الأحياء الأقل حظا والمدن والقرى المنسية لهم حق في الفنون والإبداع والثقافة.
"حومتنا فنانة" علامة ثقافيّة لا تجاريّة سُجّلت بإيمان أهل مسار وإيمان مبدعين كُثر من تونس وخارجها يحجّون إليها تطوعا على غرار المخرج الجزائري "حميد بن عمرة "والفنانة البينينية "كودي فاغبيمي" واللبنانية الخبيرة في الإدارة الثقافية "حنان الحاج علي".
لقد رتّبنا أمر الدورة التاسعة الملغاة، وأوفى فضاء مسار بالتزاماته تجاه كل العاملين فيه، سواء كانوا قارين أو عرضيين، رغم كلّ تداعيات أزمة كورونا الصحيّة، ورغم أنّ "الإدارة الثقافية البيروقراطيّة" لم تلتزم بسداد ديونها تجاه الفضاء لما يُقارب العام.
مسار يُلغي "حومتنا فنانة" لهذا العام ويؤكّد:
-أننا لا ننظر فقط إلى الأسباب المباشرة للإلغاء، ونعتبر أنّ المشاكل هيكليّة مرتبطة بغياب سياسات ثقافية إستراتيجية تُعلي مهن الفنون وتضمن للمبدع حقوقه وظروف عمل تحفظ كرامته وحقوقه الاجتماعية. وهمّنا دائما أن ندفع، مع كل شركائنا والمؤمنين بمشروعنا، من أجل التأسيس لسياسات ثقافية تتبناها الدولة وتُضمن فيها الثقافة للجميع، وأن يوضع برنامج شامل لإصلاح الهياكل الإدارية المعنية بالشأن الثقافي.
-أنّ تعطيل الأنشطة الثقافية ومحاصرة فضاءاتها، والتضييق عليها، استهداف لجهدها في بناء التجربة الديمقراطية والمدنيّة وفسح المجالات لنقيضها الذي يؤسس للعنف والإرهاب.
-تجديد دعوتنا إلى كل الفاعلين الثقافيين، في كل القطاعات، إلى الالتفاف من أجل التصدّي إلى المشاكل الحقيقية التي يعانيها القطاع والتي أدّت إلى تهميش الفنان والمثقف ونكران دوره في كل المحطات النضالية التي عرفتها البلاد مما فتح الباب لاستشراء ثقافة استهلاكية خاوية المحتوى فكريا وإبداعيا.
-أنّ قرار استئناف التظاهرات والمهرجانات كان سياسيّا/مُرتجلا ولم توضع الآليات اللازمة لتنفيذه ومتابعته ممّا تسبب في إلغاء عديد التظاهرات وعطّل النشاط الثقافي.
يهمّنا أن نشكُر الاتحاد العام التونسي للشغل ومعتمدية العمران اللذان أعربا عن استعدادهما دعم الدورة التاسعة الملغاة، وقد كانا شريكين أساسيين في دورات سابقة.
كما نشكر كل الفنانين/ات الذين وافقوا/ن على المشاركة في هذه الدورة ونعتذر منهم/ن على هذا الإلغاء.
نشكُر كل الفنانين والمجموعات الفنية التي ساندت المهرجان منذ دورته الأولى، ورافقت تأسيس الفضاء بالمشاركة في مختلف تظاهراته ومهرجاناته وساهمت في إشعاعه.
نقول شكرا وعُذرا لأهالي الحي ولجمهور حومتنا فنانة، وكل الفريق المشرف على سير المهرجان الذي عمل طيلة سنوات مؤمنا بفكرة مسار وطرحه.
فريق فضاء مسار وحومتنا فنانة