ياسمين نيوز: رضا الزعيبي
عرض الأستاذ عبد اللطيف الحناشي لكتاب الأستاذ عبد الجليل التميمي حول :
وثائق جديدة حول الثورة العربية الكبرى ودراسات أخرى حول تونس في العهد المعاصر
للأستاذ المتميز د. عبد الجليل التميمي تونس جانفي / يناير 2021 السلسلة الخامسة: ذاكرة وتاريخ الزمن الراهن رقم 74.
اهدى المؤلف كتابه:إلى فقيد الجامعة التونسية، عالم الاجتماع الأستاذ د. المنصف وناس، اعترافا لخدماته وانجازاته البحثية وريادته في جمع مئات الشهادات لشخصيات ليبية من مواقعهم المختلفة.
وكعادة ما ينشره الأستاذ عبد الجليل التميمي جاء هذا الكتاب في قسمين قسم بالفرنسية(298 صفحة) واخر بالعربية(223 صفحة).
تضمن الكتاب تقديم عام بالتركيز خاصة على مجمل التقاريروالوثائق الجديدة حول الثورة العربية لسنة 1916 والملحقة بعنوان:سياسة الاتحاديين في بلاد الشام بالقسم الفرنسي من الكتاب(ص9-12).
تضمّن القسم العربي من الكتاب اربع محاور:
اهتم المحور الأول بالدراسات: ومنها ديناميكية الحركة الإصلاحية بتونس وفلسفة الحداثة وفعلها التاريخي(ص 13-23)و أي مستقبل للبحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الفضاء المغاربي اليوم؟(95-108 )
خصص المؤلف المحور الثاني لتقديم الوثائق وشرحها والتعليق عليها ومنها:نشاط صالح بن يوسف من أجل القضية التونسية على ضوء رسالة جديدة موجهة إلى أحد المسؤولين في المخابرات الإيطالية سنة 1952(ص 25-36) المغاربيون في القاهرة في الأربعينات، خلافاتهم وعلاقاتهم مع الدوائر الرسمية المصرية(ص 37-50)،والحراك النضالي الوطني التونسي قبيل الاستقلال من خلال أربع رسائل تنشر لأول مرة(ص 51-94)
تضمن المحور الثالث بعض من ذكريات المؤلف حول مسيرته الجامعية بالإضافة لبعض الحوارات التي أجرتها معه بعض الصحف والمواقع الالكترونية التونسية والعربية
- اما المحور الرابع فاهتم بمقدمات بعض الكتب الصادرة عن المؤسسة وهي على شكل شهادات لبعض الفاعلين السياسيين في مجالات مختلف.وكانت ختمة الكتاب لكشاف الأسماء والمجموعاتص 203 وكشاف الأماكن والمناطق الجغرافية(ص 211)
يعتبر الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي من المؤرخين ،العرب عامة والمغاربة خاصة، القلائل الذين اطلعوا على الارشيفات المختلفة الخاصة بتاريخ العلاقات العربية العثمانية من مختلف الزوايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء منها الموجودة في أرشيف رئاسة الوزراء باستنبول او تلك الموجودة في وزارة الخارجية البريطانية بلندن او في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية ما اهّله ليكون احد ابرز المختصين في هذا الحقل وتبرز الوثائق والتقارير الجديدة حول الثورة العربية لسنة 1916 التي تضمّنها هذا الكتاب تحت عنوان: سياسة الاتحاديين في بلاد الشام (بالقسم الفرنسيمن الكتاب)هذه الريادة اذ تكتسي بعدا استثنائيا نظرا لكشفها مواقف فرنسا وبريطانيا تجاه العرب المشرقيين الذين تم"استبلاههم والتلاعب بهم ودغدغة عواطفهم القومية بالتظاهر والموافقة بانشاء الدولة العربية تحت قيادة الشريف حسين"امر يدعو مجددا لاعادة النظر في طبيعة العلاقات العربية التركية والدعوة "المكرّرة"من قبل الكاتب بضرورة تشكيل نواة من المؤرخين المختصين عربا واتراكا لدراسة هذه الحقبة او الحقب بمنهجية علمية موضوعية بعيدة عن التوظيف السياسي والايديولوجي خاصة( )
ديناميكية الحركة الإصلاحية بتونس وفلسفة الحداثة وفعلها التاريخي(ص 13-23).
استعرض المؤلف وحلل من خلال معطيات جديدة موقع الإصلاحيين التونيسيين في تبني التحديث والتنوير انطلاقا من بعض الحقائق التاريخية الثابتة التي أوردها الكاتب و منها الاتصال المستمر والوثيق للايالة التونسية بالدول الأوروبية وخاصة منها المدن المحاذية للبحر الأبيض وتحديدا المدن المحاذية للبحر الأبيض المتوسط ما تجسّد في المعاهدات التجارية بين تونس وتلك البلدان والمدن منذ سنة 1577 من ناحية والحضور المكثف لرعايا تلك الدول في البلاد التونسية في العاصمة واهم المدن الساحلية وقد اثرت تلك العوامل في عملية التثاقف التي اخذت بعدا جديدا مع اعتلاء احمد باشا باي (1837-1855 ) وتمثّل خاصة في انشاء المدرسة الحربية بباردو سنة 1840 التي اشرف على ادارتها المستعرب الإيطالي Galligaris(وليس غيره) صاحب التجربة الواسعة بالمجتمعات الإسلامية التي كانت بحاجة لتطوير مناهجها التربوية العتيقة فكانت مدرسة باردو الحربية طلائعية في تدريس مواد علمية واجتماعية الى جانب اللغات الأجنبية عكس ما كان سائدا في بقية مدراس الايالة التي اكتفت بتدريس مواد دينية واللغة العربية وادابها .... الى جانب تلك الحقائق يدحض الكاتب الخطا الذي عممه المستعربون الفرنسيون على أساس ان المطبعة بالأحرف العربية قد ادخلها نابليون في حين اكد ان اول طبعة بالأحرف العربية للقران الكريم كانت في إيطاليا سنة 1543 كما يبرز الكاتب حقيقة أخرى تتمثل في ان اكتشاف ابن خلدون لم يتم عن طريق العرب بل عن طريق العثمانيين ثم انتبه الفرنسيون لهذه الشخصية المتميزة ...ويعتبر المؤلف ان فضاء مدرسة باردو هو الذي ساعد على "تفتّح وانتفتاح" اهم الإصلاحيين التونيسيين وصياغة مشاريعهم الاجتماعية والفكرية والحضارية...وعلى خلفية كل ذلك تم اصدار قانون الغاء الرق سنة 1846 والاعلان عن عهد الأمان ودستور 1861 وهو ما يمثل إنجازات رائدة للحكم الحسيني.... كما ابرز الكاتب في اخر البحث فرادة خير الدين التونسي الفكرية والسياسية وما يمكن اعتباره شخصية استثنائية جمعت بين الإنتاج الفكري والممارسة السياسة وهي حالة" تبدو فريدة في التاريخ العربي والإسلامي الحديث ويؤكد الكاتب ان العالم العربي لم يكتشف بعد هذه الشخصية "الايقونة التنويرية " داعيا الفنانين و السينمائيين خاصة بالاهتمام بهذه الشخصية وبتراثها الفكري.
الدراسة الثانية كانت بعنوان بأي مستقبل للبحث العلمي في العلوم الإنسانية والاجتماعية في الفضاء المغاربي اليوم؟
استعرض الكاتب في هذه المقالة( ) اهتمامه بهذا الملف منذ نحو اربع عقود والذي تجسد في اصدار المجلة التاريخية المغاربية سنة 1974 وكان هدفه،حين ذاك، تركيز البعد المغاربي في الدراسات التاريخية الجديدة كما استعرض حجم المقالات والبحوث التي اهتمت بالتاريخ الحديث والمعاصر في المجلة ذات علاقة بدول المغرب المغرب العربي و والتي تعتبر بحقّ مبادرة استثنائية في زمن كانت الوطنية الضيقية فوق الفكرة المغاربية..وواصل المؤلف في تجذير وتعميم الفكرة المغاربية خاصة بعد تأسيسه لمؤسسة التميمي للبحث والعلمي والمعلومات،وهي المؤسسة الخاصة الرائدة في العالم العربي، التي احضنت منتدى الفكر المعاصر ...
عالج الكاتب في هذا المقال بدقة الوضع البائس للبحث العلمي وذلك من خلال معطيات دقيقة وابرز انعدام التشبيك بين الجامعات المغاربية كما بيّن وحلل مظاهر وأسباب ضعف تمويل البحث العلمي في الفضاء المغاربي وانعكاسات ذلك معتبرا ان سوء اختيار المشرفين على مؤسسات البحث على أساس الولاء دون الكفاءة من الكوارث التي تعرقل تقدم البحث العلمي واشعاعه مقدما عدة امثلة من الدول المغاربية داعيا الى ضرورة مراجعة الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في المنطقة المغاربية و في موازاة ذلك ينبه المؤلف خطورة تضاعف حجم هجرة الكفاءات المغاربية ويطرح مجموعة من الاقتراحات على الدول المغاربية لايقاف هذا النزيف المضر بمستقبل المنطقة...
اهتم المحور الثاني بعدة وثائق ذات أهمية قصوى تضمنت مواضيع مختلفة عربية وتونسية ومغاربية من ذلك الوثائق الجديدة حول الثورة العربية الكبرى.ويعتبر الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي من المؤرخين ،العرب عامة والمغاربة خاصة، القلائل الذين اطلعوا على الارشيفات المختلفة الخاصة بتاريخ العلاقات العربية العثمانية من مختلف الزوايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية سواء منها الموجودة في أرشيف رئاسة الوزراء باستنبول او تلك الموجودة في وزارة الخارجية البريطانية بلندن او في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية ما اهّله ليكون احد ابرز المختصين في هذا الحقل، وتبرز الوثائق والتقارير الجديدة حول الثورة العربية لسنة 1916 التي تضمّنها هذا الكتاب تحت عنوان: سياسة الاتحاديين في بلاد الشام (بالقسم الفرنسيمن الكتاب)هذه الريادة اذ تكتسي بعدا استثنائيا نظرا لكشفها مواقف فرنسا وبريطانيا تجاه العرب المشرقيين الذين تم"استبلاههم والتلاعب بهم ودغدغة عواطفهم القومية بالتظاهر والموافقة بانشاء الدولة العربية تحت قيادة الشريف حسين".كما يقول الكاتب وهو ما يتطلّب اعادة النظر في طبيعة العلاقات العربية التركية و هي الدعوة "قديمة جديدة"من قبل الكاتب الذي يقترح تشكيل نواة من المؤرخين المختصين عربا واتراكا لدراسة هذه الحقبة او الحقب بمنهجية علمية موضوعية بعيدة عن التوظيف السياسي والايديولوجي خاصة( )
اهتمت الوثيقة الثانية بنشاط صالح بن يوسف من أجل القضية التونسية على ضوء رسالة جديدة موجهة إلى أحد المسؤولين في المخابرات الإيطالية سنة 1952.ودون التمييز بين ما تضمنه محور الوثائق من أهمية يمكن اعتبار هذه الوثيقة ذات أهمية قصوى باعتبار تطرّقها لاحد أوجه العلاقات الخارجية للحركة الوطنية بأحد اهم الدول الأوروبية الفاعلة والمؤثرة في الفضاء التونسي وذلك نتيجة للجوار الجغرافي والثقل السكاني لجالياتها في تونس ونعني بذلك الدولة الإيطالية وتزاداد أهمية الوثيقة باعتبار قلة ،حتى لا نقول ندرة،البحوث والدراسات حول العلاقات بين الحركة الوطنية التونسية والفاعلين الايطاليين(أحزاب ومجتمع مدني وسلط حاكمة خلال الفترة الاستعمارية) من ناحية وباعتبار موقع طرفي هذه الوثيقة وهما الكاتب العام للحزب الدستوري الديوان السياسي صالح بن يوسف من جهة واحد ابرز رجال المخابرات الإيطالية Oggiano Quirino (المولود بمدينة الكاف الشمال الغربي)وهو الذي استقبل صالح بن يوسف والحبيب بورقيبة سليمان بن سليمان عندما تم نقلهم من حصن سانت نيقولا بفرنسا الى إيطاليا وقد ظل هذا العون بعلاقة بتونس حتى بعد تقاعدة واقامته بايطاليا.تتمثّل هذه الوثيقة في رسالة وجهها صالح بن يوسف الى اوجيانو من القاهرة بتاريخ 8 جوان 1952 التي وصل اليها بعد مغادرته بطريقة سرية فرنسا هربا من ملاحقة الأجهزة الأمنية الفرنسية في جانفي 1952. ابرزت هذه الوثيقة :
- طلب بن يوسف من اوجيانو تامين المرسلات الموجه له من باريس او رسائل الوطنيين من القاهرة الى باريس
- التدخل مباشرة لدى قداسة البابا لاستقباله في روما :"نظرا لتاثير البابا الأخلاقي على مجمل الدول الكاثوليكية.
- تامين الحصول على تأشيرة دخول له شخصيا ولزوجته وابنائه ..
ولا يتوانى الأستاذ التميمي كمؤرخ "صارم"طرح عدة أسئلة ليس عن طبيعة الوثيقة بل أساسا أسباب منح ثقة صالح بن يوسف لرجل مخابرات عمل مع الحكم الفاشي للاطلاع على اسرار الحركة الوطنية التونسية من خلال الرسائل التي سيطلع عليها حتما قبل ارسالها وتاثير ذلك على الحركة الوطنية ونشاطها من ناحية ودرجة توظيف الحكم الإيطالي من ذلك امر يتطلّب البحث في أرشيف المخابرات الإيطالية و عن مدى اهتمام حكومة إيطاليا بالبلاد التونسية بعد سقوط النظام الفاشي و آليات عمل المخابرات الإيطالية وعلاقاتها بالمخابرات الفرنسية.. وكالعادة يفتح المؤرخ التميمي افاق جديدة للبحث في علاقات الحركة الوطنية التونسية بايطاليا من ناحية وعلاقات إيطاليا بفرنسا من زاوية الاهتمام بالقضية التونسية...
تتعلق الوثيقة الثالثة بإقامة المغاربة في القاهرة خلال الأربعينات، خلافاتهم وعلاقاتهم مع الدوائرالرسمية المصرية.ويعتبرالحضورالتونسي في مصر قديم غير انه اتخذ اشكالا جديدة بعد الاحتلال الفرنسي للبلاد التونسية اذ تحولت مصر لاهم مناطق استقرار النخب العلمية والسياسية ،بعد باريس، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية وتاسيس الجامعة العربية وادراك الحركة الوطنية لأهمية مصر وموقعها الجغرا - سياسي وإمكانية ان تتحول كمركز متقدم للتعريف بالقضية التونسية... معطيات ساعدت على تحول ابرز قيادات الأحزاب السياسية في المغرب الأقصى والجزائر وتونس الى القاهرة واستغلال المناخ السياسي العام لتأسيس مكتب المغرب العربي(1947) ليكون اطارا جامعا لحركات التحرر في المنطقة للتفكير والعمل من اجل تحريرها و توحيدها...وان حقق هذا المكتب نجاحات سياسية متعددة غير ان ذلك لم يمنع من وجود بعض الاختلافات السياسية وحتى ذات الطابع الشخصي بين الأحزاب المكونة او بين قيادات الحزب الواحد او انتقادات بعض القيادات والشخصيات العلمية لاداء المكتب وسلوك بعض أعضائه من التونيسيين خاصة، وتكشف الوثائق التي عرضها الأستاذ عبد الجليل التميمي لأول مرة بعض من مظاهر واشكال وأسباب هذه الخلافات ومنها رسالة موجهة الى وزير الخارجية المصري من قبل أعضاء من الحزب الحر الدستوري،اللجنة التنفيذية وبعض التجار المقيمين في القاهرة من غير المنتمين لمكتب المغرب العربي يشككون في تمثيلية المكتب لكل الأطراف والحساسيات السياسية لفت نظر السلطات المصرية بوجود شخصيات مغاربية فاعلة من اجل القضية المغاربية غير انها مستثنية من عضوية المكتب وظلت "مهمّشة" حتى من قبل الدوائر المصرية المسؤولة وجامعة الدول العربية كما تضمنت هذه الرسائل تهما ذات طابع سياسي و شخصي و تشويها متعمّدا لادارة المكتب بل تجاه وزارة الخارجية المصرية ذاتها باعتبار ان هذه الوزارة قد طلبت من المكتب تعيين شخص من العاملين في المكتب لينتدب لديها لمراقبة المراسلات بين المغاربة في مصر وخارجها ولم يتوانى محمد بن عبود(ممثل المغرب)في تفنيد ادعاءات ما تضمنته تلك الرسائل من اتهامات وخاصة تلك المتعلّقة بالطلب المصري لمراقبة الراسائل الوافدة او الصادرة عن المكتب مبيّنا ان:" المكتب يزعم انه يمثل جميع التيارات السياسية والفكرية وانما يؤكد انه يعمل مع جميع الهيئات المغاربية الموجودة داخل البلاد والتي تطالب بالاستقلال التام طبقا للمابدئ التي اعلنها مؤتمر المغرب العربي ..."،وتبدو هذه الوثائق حسب راي الأستاذ ذات أهمية قصوى،وهي بالفعل كذلك،باعتبار انها تفتح المجال للباحثين لمعالجة مسالة هامة لم يقع التطرق اليها الا جزئيا وهامشيا في حين انها تبدو احدى القضايا الهامة للوقوف على على اليات عمل المكتب وإبراز بعض من حراك المعارضة لعمل هذا المكتب ليس فقط من قبل التونسيين بل بين بقية الأحزاب الممثلة في المكتب ذاتها او بين داخل كل حزب من الأحزاب الممثلة في المكتب.
اما الوثسقة الرابعة فاهتمت بالحراك النضالي الوطني التونسي قبيل الاستقلال من خلال أربع رسائل ثلاث منها على شكل رسائل وواحدة على شكل حوار صحفي تنشر لأول مرة.
تتمثل الأولى في رسالة من محمد الأمين باي مؤرخة في تونس يوم 1 سبتمبر 1952 موجه الى رئيس الجمهورية الفرنسية(فانساناوريال)والتي اكد فيها ضرورة اجراء إصلاحات جوهرية في مؤسسات الايالة تستجيب لما حققه الشعب التونسي من تقدم ورقي وما قدمه من تضحيات خلال الحرب الكونية الثانية كما ابرز محدودية الإصلاحات التي طرحها المقيمان العامان السابقان ماست و جون مونص وهي نفس مطالب الحركة الوطنية وموقفها من تلك الإصلاحات التي عرض نصوصها على النواب التونسيين وعلى افراد النخبة الوطنية إسلامية ويهودية امر يعكس الاملاءات السياسية للإدارة الاستعمارية كما تشير الى الروح التشاركية للباي كما عبر الباي في رسالته عن اسفه من السياسة القمعية التي سلكها المقيم العام دي هتكلوك تجاه رجالات الحركة الوطنية والحكومة الشرعية(السجن والنفي والابعاد..)
الوثيقة الثانية جاءت على شكل حوار صدر في مجلة "اخر ساعة" المصرية بين محمد الأمين باي والمقيم العام الفرنسي دي هوتكلوك...وفيه رفض الباي المصادقة على مشروع الإصلاحات وتحديه للسلطات الفرنسية المتغطرسة ويتناغم هذا الموقف أيضا مع موقف الحركة الوطنية في تلك اللحظات الحرجة التي كان اغلب قياداتها مهجرين ومعتقلين وصدور جماهيرها تتصدى لرصاص القوات العسكرية والأمنية للاحتلال ...ورغم أهمية مضمون هذا الحوار الذي يتماهى مع موقف الحركة الوطنية فان المؤرخ الأستاذ عبد الجليل التميمي يحترز من شكله ومضمونه باعتبار انه غير موقع من قبل الصحفي الذي اجرى الحوار من ناحية كما لا يتضمن تاريخ اجرائه ولا الظروف التيتم فيها لذلك يرى انه ربما كان حوارا افتراضيا اعده بعض الدستوريين المقيمين بالقاهرة ...وبغض النظر عن كل ذلك فان الوثيقتان تبرزان مدى تحول موقف الاسرة الحسينية تجاه الإدارة الاستعمارية وقربها من تطلعات الشعب التونسي امر بدا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وتعزز وتوسع خاصة في حقبة الخمسينات من القرن الماضي مسايرة لما عرفته الحركة الوطنية من تمدد جغرافي (داخلي وخارجي)واجتماعي بالتوازي مع التحولات التي عرفها العالم فكريا وسياسيا...
اما الوثيقة الثالثة فهي على شكل رسالة من إبراهيم عبد الله مؤسس الاتحاد العام للفلاحة التونسية بعثها الى الباي محمد الأمين وهو يترجاه الوقوف الى جانبه ورفع الحصار الذي تعرض اليه ومنظمته من قبل ميليشيات الحزب الدستوري الجديد...وتكون هذه الوثيقة مثالا دقيقا لما تعرض اليه الدستوريون المناصرون لصالح بن يوسف من تهميش وتنكيل من قبل البورقيبيين كما تؤشر لبداية سياسة احتواء المنظمات الاجتماعية التي لعبت دور أساسيا في النضال الوطني الى جانب دورها الاجتماعي...
وجاءت الوثيقة الرابعة على شكل رسالة أيضا مؤرخة سنة 1972 موجهة من السيدة شاذلية بوزقرو الى خالها الحبيب بورقيبة. تضمنت هذه الرسالة مساهمة هذه المرأة في الوطني بعد اندلاع" الثورة التونسية" سنة 1952 وابرزت دور بعض رموز الحركة الوطنية في تلك الفترة العصيبة من ذلك موقف المنجي سليم المناصر للإصلاحات التي عرضتها فرنسا وهو موقف يتعارض مع موقف بورقيبة الذي رفضها جملة وتفصيلا كما تبرز "تيارات "داخل الحزب حول قضايا جوهرية كما تبرز أيضا مسالة شديدة الأهمية تتمثّل في الموقف من اسخدام العنف وخاصة الاغتيالات السياسية تجاه المتعاملين مع الإدارة الاستعمارية.
يمكن ان نطلق على المحور الأخير شجون المؤرخ المكافح العنيد وفيه يستعرض المؤلف من خلال "مقالين "بعض من المعاناة التي يتعرّض المتميّزون والمخلصون في مجال العلم والمعرفة من قبل بعض من زملائهم... سلوك يبدو غريبا من قبل هذه النخبة التي من المفروض ان تكون مثال النزاهة والشفافية... في "المقال" الأول يستطرد المؤلف بداياته الصعبة في الجامعة التونسية منذ 1972وفي "المقال"الثاني يعبر من خلاله المؤلف عن وفاءه للمرحوم محمد مزالي الذي تميّز بشجاعة نادرة بخرقه لنواميس وتقاليد الجامعة التونسية وملابسات انتداب المؤلف كأستاذ مساعد بها(العنوان ).رغم انالمؤلف هو أوّل تونسي يحصل على شهادة دكتوراه دولة في التاريخ من فرنسا وكان ذلك في فيفري 1972، كما يتقن ويجيد ثلاث لغات وهي الفرنسية والإنجليزية وخاصّة اللغة التركيّة (منذ سنة 1966)غير ان حصوله على الاستاذية من العراق من جهة وتميّزه العلمي كانا من اهم الأسباب التي رفض على خلفيتها قبوله في الجامعة التونسية...وامام هذه المظلمة تدخل وزير التّربية والتّعليم العالي والبحث العلميّ محمد مزالي لصالح المؤلف حتى يتمتع بحقه الطبيعي في التدريس بالجامعة بقرار وزاري ...كما حاول وزير التعليم العالي والبحث العلمي المرحوم عبد العزيز بن ضياء عرقلة تعيين المؤلف لإدارة المعهد الأعلى للتوثيق برغم حصول هذا الأخير على شهادات من الأرشيف الوطني الفرنسي ومن جامعة بيتسبرغ والارشيف الوطني بواشنطن وخيّر عليه احد المقربين منه رغم ان لا علاقة له بالاختصاص ومرة ثانية كان قرار المرحوم محمد مزالي المنحاز للكفاءة والخبرة كمقياس لتحمّل المسؤولية عوض الولاءات الشخصية ... تضمن هذا المحور عدة حوارات هامة ذات طابع سياسي وفكري- معرفي استشرافي بعلاقة بتاريخ تونس المعاصر والراهن وتقديم لبعض الكتب الصادرة عن مؤسسة التميمي وهي في الأصل سمينارات الذاكرة الوطنية (بلغ عد الكتب التي أصدرتها المؤسسة في هذا الحقل 61 كتابا)ومن بين الكتب المقدمة في هذا التأليف نذكر شهادات لبعض رجالات الدبلوماسية التونسية سفراء ومسؤولين في المنظمات الدولة صدر بعنوان "سفراء في خدمة اشعاع تونس"وهي شهادات على غاية من الأهمية اذ تنقل مسيرة هذا الصنف من الرجال الذين خدموا وطنهم وساهموا في رفع شانه دوليا...وهي شهادات دقيقة من المفترض ان تستأنس بها وزارة الخارجية كمادة مرجعية في المعهد الدبلوماسي إضافة الى ذلك قدم الكاتب لكتب اخرى وهي اضاءات جديدة حول مسيرة الشيخ حسن العيادي و البعد الاستشرافي الجديد للذاكرة الوطنية المغيبة و نحو فهم أفضل لملف الرهانات الاقتصادية لبلادنا بعد الثورة....
أخير اعترف اني استقيد واتعلّم من كل ما يكتب استاذي عبد الجليل التميمي مقالات وبحوث ودراسات وكتب وانتشي علميا ومعرفيا أيضا بالوثائق النادرة غالبا التي يقدّمها بطريقة سلسة علمية امر ليس بالغريب عنه وهو الذي قضى جزء هام من حياته العلمية في البحث والتقصي عن الوثائق وتقديمها وتحليلها والتعليق عليها ...رجل صاحب مشروع وظف كل وجوده وكيانه وتفاصيل حياته اليومية لتحقيقه...رجل مثابر كما وصفه احد الزملاء السوريين بانه الرجل المثابر واضيف لهذا التوصيف بانه رجل العلم والمعرفة المثابر الشجاع الذي لا يكلّ ولا يملّ من اجل تحقيق مشروعه بأبعاده المختلفة.. رجل من فضائله انه فتح ويفتح المجال بكل اريحية للجميع وخاصة الباحثين الشباب منهم...ومن فضائل الرجل ايضاانه جمع الجامعيين المغاربة في مؤسسته بعد ان كانت باريس هي "الجامعة"لهم...وعلى خلفية ذلك كسب ثقة واسعة من قبل قطاعات واسعة...
د. عبد اللطيف الحنّاشي
أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن
كلية الآداب والفنون و الانسانيات، جامعة منوبة. تونس