بعد مضي أكثر من سبع سنوات على تفتيش المنزل الذي كان يقيم فيه رجل الأعمال الفرنسي الإسرائيلي بني شتاينميتس في جنيف، أصدر القضاء السويسري يوم 22 يناير الجاري حكماً على هذا الأخير بالسجن لمدة خمس سنوات، بتهم فساد وتزوير وثائق، على خلفية قضية من أكبر قضايا الفساد الدولية، من المرجّح أن تتخطى تداعياتها قصر العدالة في جنيف.
في اليوم الأخير من المحاكمة التي استمرت أسبوعين، لم يكن في قاعة المحكمة إلا عدد قليل من المقاعد بسبب الإجراءات المتبعة في التباعد الاجتماعي. ومَثَل شتاينميتس، الذي يعتبر أحد أغنى رجال إسرائيل، محاطاً بمحامييه، أمام فريق الادعاء ذي الملامح الصلبة، فيما تلا القاضي، لأكثر من ساعتين ونصف، وقائع القضية ومن ثم قرار الإدانة.
وعندما خرج شتاينميتس من القاعة، بدا مصدوماً بقرار المحكمة. وجاء رده على الصحفيين الذين طلبوا منه أن يعلق على قرار المحكمة بأن قرار الإدانة هو بمثابة "ظلم كبير"، فيما أعرب كبير محامييه مارك بونانت عن نيته بتقديم طلب استئناف للقرار.
وركزت المحاكمة على الأدوار التي لعبها شتاينميتس مع اثنين من زملائه في تقديم رشاوى لزوجة رئيس غينيا الراحل، لانسانا كونتي، وعقد لقاءات مع مسؤولين حكوميين آخرين لتسهيل الاستحواذ على احتياطيات خام الحديد غير المستغلة في منطقة سيماندو في غينيا.
وكان شتاينميتس، الذي يعتبر أحد أهم أقطاب تجارة الماس في العالم، قد أجرى صفقات وهمية عديدة، بهدف إخفاء الرشاوى التي قدمها من أجل ضمان سيطرته على ما كان معروفاً في الدولة الأفريقية بـ"جواهر تاج غينيا". ومن الأمثلة على هذه الصفقات، صفقة لشراء السكر من البرازيل، وعقود تأجير لقوارب مزيفة وحتى طلب مزور للآلات من شركة كاتربيلر العملاقة لمعدات البناء.
وأظهر التحقيق السويسري، الذي بدأ في عام 2013، كيف عقد شتاينميتس "ميثاق فساد" مع كونتي وزوجته الرابعة مامادي توريه، للحصول على حقوق التعدين في المنطقة والإطاحة بشركة التعدين الأنجلو-أسترالية ريو تينتو. وذكرت المحكمة أن رجل الأعمال وشركته Beny Steinmetz Group Resources (يُشار إليها اختصاراً بـ BSGR) دفعوا رشاوى بقيمة 8.5 مليون دولار (7.65 مليون فرنك سويسري) إلى توريه، وتم تحويل جزء من هذه الرشاوى عبر حسابات بنكية سويسرية. كما تولّت مجموعة من المحامين والمصرفيين والمستشارين المقيمين في عدد من البلدان (إسرائيل والولايات المتحدة وجزر فيرجن البريطانية)، تنسيق العمل فيما بينهم على الأرجح من خلال شركة "أونيكس للاستشارات المالية" Onyx Financial Advisors في جنيف التابعة لـ BSGR ، من أجل تنفيذ هذا المخطط.
في عام 2009 وقبل أسابيع فقط من وفاة كونتي، تمكنت شركة BSGR من الحصول على حقوق التعدين والاستحواذ على منجم سيماندو مقابل مبلغ من المال يساوي 165 مليون دولار (144 مليون فرنك سويسري)، ثم قامت بعد مرور ثمانية عشر شهراً، ببيع نصف أسهمها لشركة "فالي" البرازيلية للتعدين، مقابل مبلغ قدره 2.5 مليار دولار (2.18 مليار فرنك سويسري). ووفقاً للبنك الدولي، كان نصيب الفرد آنذاك من الناتج المحلي الإجمالي في غينيا لا يتعدى 559 دولاراً (487 فرنكاً سويسرياً). الجدير بالذكر أن شركة BSGR مسجلة قانونياً في جزيرة غيرنسي الواقعة في القنال الإنجليزي والتي تستقطب العديد من الشركات كملاذ ضريبي.
محاكمة تاريخية
هذه هي المرة الأولى التي تجري فيها محاكمة في قضية فساد دولية في مدينة جنيف. ووفقاً للخبراء، فإن هذه المحاكمة تمثل نقطة تحول أمام المستفيدين من الشركات الأجنبية التي لها علاقة بأعمال غير مشروعة.
وتصف أغاث دوبارك، الباحثة في منظمة Public Eye (أي عين الجمهور) غير الحكومية، المحاكمة بأنها "تاريخية". وتقول: "هذه هي المرة الأولى التي يقاد فيها أفراد على قدر كبير من المكانة إلى قفص الاتهام، على خلفية قضية تتعلق بشركة تعدين يتم مقاضاتها من قبل العديد من السلطات القضائية الأخرى".
ويَعتبر مارك بيث، أستاذ القانون الجنائي بجامعة بازل وخبير مكافحة الفساد، أن جلسات الاستماع التي تمت خلال المحاكمة، هي بمثابة إشارة إلى أن سويسرا، وخاصة جنيف، قادرة على التعامل مع قضايا الرشاوى الأجنبية. "إنها خطوة إيجابية للغاية، بغض النظر عن الحصيلة النهائية".
ويرى بيث أن التجربة تتزامن مع نقطة تحول عالمية، حيث قد لا يتمكن المستفيدون من الشركات، مثل شتاينميتس، من الاختباء وراء الهياكل القانونية لتجنب المسؤولية. ويقول إن سويسرا أيضاً تتجه نحو مزيد من الشفافية، مشيراً في نفس الوقت إلى التشريعات الأخيرة في الولايات المتحدة، بما في ذلك قانون الشركات المتعلق بشفافية الملكية الانتفاعية.