jasminsnews - كلمة صغيرة في رثاء تلميذ صغير ذي قلب كبير...

كلمة صغيرة في رثاء تلميذ صغير ذي قلب كبير...

أكتب كلماتي القليلة هذه عن تلميذي محمّد الدبّابي.. ذلك الولد الوسيم الرّائع والمهذّب، وبلغة عربية بسيطة، لا تحاسبوني على الضمة والكسرة فقلبي انكسر مساء اليوم ولا يهمّني الآن شيء من قواعد اللّغة العربية.

محمّد تلميذ يحبّ الحياة.. لطيف ومرح يحبّه أترابه، وأساتذته، يضحك، يمازح النّاس ولكنّ الموت لا يمازح أبداً.. خطفه اليوم فجأة دون سابق إنذار، بعد انزلاق الحافلة التي كان يمتطيها وتدحرجها من أعلى الجبل حتى سفحه عندما كان في طريقه ورفاقه إلى دخيلة توجان ومغاور مطماطة وواحات قصر غيلان!!
حرمه الموت من أحبّائه، كانت لديه مواهب كثيرة وطموحات وأهداف يريد تحقيقها رغم قسوة الظروف ومشاغبات الحياة الكثيرة...

لقد كانت نظراته البريئة تسألني كلّ صباح: أريد مقعدا في هذه الحياة ومكانا لي تحت الشمس يا أستاذ!
كان يريد أن يحقّق أهدافه، يستيقظ صباحاً يذهب إلى المدرسة.. يصل متأخّرا إلى قاعة الدّرس غالبا.. ولكنّه يصل على أيّة حال.. يتعلّم، يسأل بنظراته أكثر من لسانه.. كنت أرى فيه أبناء تونس التّائهين المظلومين هذه الأيام...
فلماذا خطفته يا موت من أحضان أمّه المكلومة وأبيه المجاهد في أبنائه؟؟
لماذا حرمت والده من أن يفتخر به يوماً ؟؟
فربّما أصبح عالماً أو موسيقيا أو مخترعا أو مهندسا أو طبيبا يعالج المرضى أو أيّ شيء يحبّه، لماذا لم تتركه يفعل ما يشاء..
لكن القدر قد شاء، ولا رادّ لمشيئة الله!!
ها أنّني مصدوم مفجوع... انحبست دموعي، وصرخ قلبي: "تعال يا محمّد!.. تعال يا ابني!.. إلى أين تذهب؟! تعال لقد أحضرت لك كرسيا وطاولة هذه المرّة ولن تضطرّ للبحت عنهما طويلا في أروقة المعهد... تعال يا عزيزي، فدرس أفعال الشروع لم ينته بعد .. أمّا همّ الوطن فقد شارف على الانفراج يا ولدي..!! "
آه ثم آه .. ??
هل من أحد يتصوّر شعور مدرّس مكلوم حين يفقد تلميذه فجأة؟؟، تلك اللحظات الأولى ما بين لحظة الفقد واللحظة التي يتأكّد فيها أنّه لن يره بعد الآن... مرحلة عدم التّصديق، التّشويش الضّاغط على خلايا المخّ... ذلك الشّعور الذي يكاد يقتلني الآن، أتمنّى لو أنّني في حلم مزعج.. أستفيق منه لأجد نفسي ممسكا بدفتر المناداة مناديا: "وينو سي محمّد الدبّابي؟!... متأخّر كيف العادة!!..."، ثم يُطْرَق البابُ بعد لحظات، فإذا به محمّد يطلب الإذن بالدّخول... فيرقص الفؤاد فرحا، وأقول: "اُدخل يا محمّد.. موش لازم منها بطاقة التأخير اليوم!!".

ولكنّني أسمع الآن محمّدا يقول لي: سيّدي لا تحزن، فأنا في مكان جميل جدّا يفوق الخيال لا أحتاج كرسيا وطاولة كالعادة... ولقد وصلت إليه مبكّرا جدّا.. هذه المرة لم أصل متأخّرا!!"
ويقول لأحبائه: لقد تركتكم على الأرض ولكنّني معكم دائماً في قلوبكم، في عقولكم، في وجدانكم..

لقد رحلت يا محمّد وتركت في قلبي حسرة وألما لا أعرف كيف سأحتمله، وكيف سأواجه أصدقاءك غدا، وكيف سيكون درس النحو غدا في غيابك؟؟...
آه ثم آه .. ??
رحلت يا ابني وعلّمتنا درساً بأنّ الحياة رحلة قصيرة علينا أن نعيشها بإيمان وحبّ ووفاء..
رحلت فجأة وكأنّك تقول لنا: تواضعوا ولا تتكبّروا.. أحبّوا بعضكم وسامحوا من أساء إليكم..

يا أم محمّد.. يا أبا محمّد.. يا إخوة محمّد، يا أصدقاء محمّد وأحبّته...
محمّد هو إبننا وشقيقنا وصديقنا وحبيبنا ونعدكم بأنّ ذكره سيبقى مؤبّدا..

 

حبيبي محمّد 
أنت الآن شمعة مضيئة في قلب كلّ واحد منّا..
لنراك دوماً من خلالها نورا يطرق الباب علينا كلّما أظلمت الدّنيا.
أنت الآن وردة مزروعة في أعماقنا..
ليذكّرنا عبيرها دوماً بكل لحظة عشناها معك.
أنت الآن ملاك في السّماء..
لتصلّي دائماً من أجلنا.
نَمْ يا حبيبي بسلام وهدوء ودعك من عالمنا..
يا ملاكنا الوديع، يا عصفور الجنّة الصّغير.. صلِّ لأجلنا.( الجمعي الصحبي العليمي)

قراءة 7014 مرات
الدخول للتعليق
اشترك في نشرتنا الإخبارية
Top
We use cookies to improve our website. By continuing to use this website, you are giving consent to cookies being used. More details…