"سلسلة من الخروقات"
أشارت الأحكام، التي نُشرت بعد ظهر الأربعاء، إلى القرصنة على أنها "انتهاكات مكررة للقانون الجنائي المحلي (في المملكة المتحدة)"، إضافة إلى كونها "انتهاكا للقانون العام الأساسي والحقوق التي تضمنها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان"، وكذلك "تدخل في إجراءات المحكمة وحصول الأم على العدالة" و "إساءة استخدام السلطة"من قبل رئيس حكومة.
ووجد رئيس دائرة الأسرة بالمحكمة العليا أن "الهواتف المحمولة للأم (الأميرة هيا) واثنين من محامييها ومساعدها الشخصي واثنين من أفراد طاقمها الأمني، قد تعرضت إما للاختراق أو محاولة الاختراق من قبل برنامج مراقبة يعرف ببرنامج بيغاسوس Pegasus المملوك لشركة إسرائيلية تدعى مجموعة إن إس أو NSO Group".
وخلصت المحكمة إلى أن المراقبة تمت "من قبل موظفين أو عملاء للأب (الشيخ محمد) أو إمارة دبي أو الإمارات العربية المتحدة، وأن المراقبة تمت بسلطة الشيخ الصريحة أو الضمنية".
الرصد صعب
يذكر أن مدى الاختراق الذي تم مروع للغاية من حيث البيانات التي تمكن المتسللون من الوصول إليها.
كما أن برنامج بيغاسوس الخاص بمجموعة إن إس أو، والذي يشار إليه غالبا باسم "برامج التجسس"، قادر على تتبع موقع الشخص الذي يستخدم الهاتف، وقراءة رسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني والرسائل في التطبيقات الأخرى، بالإضافة إلى التنصت على المكالمات الهاتفية والوصول إلى قائمة جهات الاتصال الخاصة بالهاتف وكلمات المرور وتواريخ التقويم والصور. بمعنى آخر، يمنح المتسلل القدرة على الوصول بحرية وسهولة إلى جميع البيانات التي يريد رؤيتها في الهاتف المستهدف.
كما يسمح للمتسلل بتنشيط الهاتف المستهدف دون علم صاحبه، وتسجيل جميع أنشطته وحتى التقاط الصور واللقطات التي تعرض على الشاشة.
ويُزعم أن برامج تجسس مماثلة قد تم استخدامها من قبل عملاء الحكومة السعودية، الذين يعملون بأوامر من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، ضد المعارضين الذين يعيشون في الخارج، بما في ذلك شركاء الصحفي السعودي المقتول جمال خاشقجي.
ومن الصعب للغاية على أي ضحية لمثل هذه البرامج التجسسية اكتشاف تعرض هاتفه للاختراق عن طريق برنامج بيغاسوس.
"كم هائل من البيانات"
في قضية الحضانة الجارية بين الشيخ محمد والأميرة هيا في قسم الأسرة بالمحكمة العليا، قال فريق الأميرة القانوني إن القرصنة حدثت "بموافقته الصريحة أو الضمنية".
وخلص رئيس المحكمة إلى أنه "فيما يتعلق بالأم (الأميرة هيا)، فمن الواضح أن محاولة القرصنة قد نجحت في الحصول سرا على كمية هائلة جدا من البيانات (265 ميجا بايت) من هاتفها".
ونفى الشيخ محمد علمه بالقرصنة. وقال إنه لم يوجه أحدا باستخدام مجموعة إن إس أو "أو أي برنامج آخر بهذه الطريقة". وقال فريقه القانوني إنه ليس مستعدا للدخول في أي نقاش بشأن الأنظمة الأمنية التي تملكها الإمارات العربية المتحدة.
وقد دُعمت المزاعم الموجهة ضد حاكم دبي من خلال شهادة أدلى بها الخبير التكنولوجي، الدكتور ويليام ماركزاك، المقيم في كاليفورنيا وهو زميل أبحاث كبير في معمل سيتزن Citizen Lab بجامعة تورنتو، والذي يبحث في المراقبة الرقمية.
وقال للمحكمة إنه ليس لديه شك في أن الهواتف قد تم اختراقها باستخدام برنامج بيغاسوس. كما خلص "بثقة عالية" إلى أن الهواتف تم اختراقها من قبل مشغل واحد في إحدى الدول. وخلص بثقة متوسطة إلى أنه من غير المرجح أن تكون أي دولة أخرى غير الإمارات العربية المتحدة.
تحذير من شيري بلير
علم الفريق القانوني للأميرة هيا لأول مرة أنها تعرضت للاختراق بعد مكالمة هاتفية عاجلة أجرتها المحامية شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، إلى البارونة شاكلتون. وتعمل شيري مستشارة لمجموعة إن إس أو في شؤون الأعمال التجارية والقضايا المتعلقة بحقوق الإنسان.
وقد أجرى عضو رفيع في فريق إدارة مجموعة إن إس أو إتصالا مع شيري من إسرائيل في 5 أغسطس/ آب 2020 لإبلاغها أنه "نما إلى علمهم أن برنامجهم ربما أسيء استخدامها لمراقبة الهواتف المحمولة للبارونة شاكلتون وصاحبة السمو الملكي الأميرة هيا".
ثم أخبر موظف المجموعة شيري بأنه لم يعد من الممكن الوصول إلى هذه الهواتف باستخدام برنامج بيغاسوس، وطلبوا مساعدتها في الاتصال بالبارونة شاكلتون وإبلاغها.
وشددت مجموعة إن إس أو، التي سبق أن اتهمتها جماعات حقوق الإنسان بتمكين الدول ذات أنظمة الحكم المستبدة من القيام بمراقبة المعارضين والصحفيين، في بيانات عامة على أنها وفرت برامج التجسس الخاصة بها فقط لتمكين الحكومات من مواجهة المجرمين والإرهابيين.
ويُعتقد أن مجموعة إن إس أو أنهت عقدها مع الإمارات العربية المتحدة.
"خوف على الحياة وأمن الأطفال"
حدث الاختراق خلال مرحلة حرجة في قضية الحضانة بين الشيخ محمد والأميرة هيا في المحكمة العليا في صيف العام الماضي.
وقال الوصي المعين لأطفالها إن ذلك "يؤثر بشكل كبير على الأم ورفاهيتها. إنها تجربة مؤذية للغاية إذا تعرضت الأم لمراقبة من هذا النوع".
وقال فريق الأميرة هيا القانوني للمحكمة إن "الأم تعيش في خوف على حياتها وخوف على أمن الأطفال منذ إبريل/ نيسان 2019".
واستمعت المحكمة أيضا إلى شرح لمحاولة الشيخ محمد شراء عقار في باركوود إستيت، بمنطقة سري، بالقرب من منزل زوجته السابقة في كاسلوود، بحيث "إذا اختار أي شخص استخدامه، فهو في موقع رئيسي للمراقبة المباشرة أو الإلكترونية".
وقال فريق الأميرة القانوني "هناك قضية موضوعية قوية حول سبب خوف الأم الحقيقي من أن يتمكن الأب من امتلاك عقار قريب من العقار الذي تملكه".
وقالت الأميرة هيا، مشيرة إلى شراء العقار المقترح، للمحكمة "أشعر كما لو أنني مطاردة، ولا يوجد مكان أذهب إليه فعليا لأكون في مأمن من (الأب)، أو من يعملون لمصلحته. إن ذلك "قمعي للغاية".
"إعادة البنات قسرا"
وجدت المحكمة العليا في مارس/ آذار 2020 أن الشيخ محمد، الملياردير والحليف المقرب لبريطانيا ومالك أحد أكبر اسطبلات خيول السباق، قد هدد الأميرة هيا وخوَّفها.
كما وجدت المحكمة مزاعم مؤكدة بأنه اختطف اثنتين من بناته، الشيخة لطيفة والشيخة شمسة، وأعادهما قسرا إلى دبي.
وفي شباط/ فبراير الماضي، حصلت بي بي سي على مقطع فيديو صُور سرا للشيخة لطيفة تقول إن والدها سَجنها في فيلا حُولت إلى سجن.
وروت كيف حاولت الفرار من عائلتها على متن قارب في 2018، لكن مسلحين قبضوا عليها قبالة سواحل الهند، وبعد أن هدأت أعادوها قسرا إلى دبي.
وطالبت الأمم المتحدة في وقت لاحق برؤية دليل على أنها على قيد الحياة وبصحة جيدة.
ومنذ ذلك الحين، نُشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي تظهرها برفقة صديقاتها في أحد مراكز التسوق بدبي، وتقضي إجازتها في مدريد وأيسلندا.
ولا يزال نشطاء حقوق الإنسان متشككين في أنها مازالت لا تتمتع بالحرية الكاملة أو أنها غير قادرة على التحدث بحرية.
وطلبت شركة محاماة تقول إنها تعمل نيابة عنها من وسائل الإعلام تركها وشأنها.
وخلال الجلسات الأخيرة في المحكمة العليا، قال الفريق القانوني للأميرة هيا إن عمليات الاختطاف السابقة كانت ممكنة عن طريق القرصنة، والتي "مكنتهم من تحديد مكان وجود الأميرة لطيفة وأعادتها إلى دبي".
الاختراق خلال "الأحداث المهمة"
هربت الأميرة هيا، ابنة الملك الأردني الراحل حسين والأخت غير الشقيقة للملك الحالي عبد الله الثاني، من دبي عام 2019 إلى بريطانيا مع طفليها بعد أن علمت أن زوجها أمر باختطاف ابنتيه الشيخة لطيفة والشيخة شمسة.
وقالت منذ ذلك الحين إنها تعيش في خوف على حياتها بعد تلقيها رسائل تهديد من عملاء زوجها السابق.
حاليا، يتهم فريقها القانوني مخابرات إمارة دبي بالتصرف نيابة عن الشيخ محمد في اختراق هواتف الأميرة هيا ومحامييها البارونة شاكلتون ونيك مانرز، بالإضافة إلى مساعدها الشخصي واثنين من أفراد طاقمها الأمني.
حدثت القرصنة في شهري يوليو/ تموز وأغسطس/ آب 2020 "في وقت شهد أحداثا مهمة" في إجراءات المحاكمة عندما كانت جلسات الاستماع تدور حول رفاهية الأطفال.
وخلص الحكم إلى أن "مزاعم القرصنة عُرضت على المحكمة في وقت كانت قد توصلت فيه بالفعل إلى نتائج خطيرة للغاية ضد الشيخ".
"لعبة حياة أو موت"
خلال قضية الحضانة التي طال أمدها في المحكمة العليا، حاول الشيخ محمد في عدة مناسبات من خلال الاستئناف إبقاء تفاصيل الادعاءات ضده بعيدة عن أعين الناس. لكنها في مارس/ آذار 2020 والآن، أصبحت في العلن، على الرغم من أنه لم يستأنف الحكم الأخير الذي يسمح بنشر هذه الأحكام.
يعد الحكم الصادر الأربعاء، على الرغم من إنكار الشيخ محمد، بأن حاكما ذا نفوذ ملكي تدخل في مسار العدالة البريطانية من خلال إصدار أمر باختراق هواتف بريطانية، بما في ذلك هاتف أحد أعضاء مجلس اللوردات، أمر مروع ومحرج ومضر بسمعة الشيخ محمد الدولية.
وتلخيصا لمزاعم القرصنة التي قدمتها الأميرة هيا، قال محاميها نيكولاس كوزوورث للمحكمة "من الواضح الآن، وبشكل أساسي، أن الأم تعرضت للعبة مروعة، لعبة حياة أو موت. بينما كانت تسعى للحصول على إجابات حول شراء عقار للشيخ بالقرب منها، تمكن المتسللون من مراقبة اتصالاتها الخاصة والاطلاع عليها".
وعلى الرغم من أن هذا أمر محرج للشيخ محمد، فإن هناك احتمالا ضئيلا أو معدوما أن يتعرض لاستجواب من قبل الشرطة.
وبصفته حاكم دبي، فإنه لا يزال شخصية كبيرة في عالم الفروسية، ويمتلك عقارات واسعة في المملكة المتحدة وعلى علاقة مميزة بالملكة.
ويبلغ عدد المغتربين البريطانيين في إمارة دبي حوالي 100 ألف بريطاني، ويعتبر هو وحكومة الإمارات العربية المتحدة من الحلفاء المقربين للمملكة المتحدة.
ومن غير المرجح أن تحظى القصة بتغطية كبيرة في وسائل الإعلام التي تراقبها الحكومة في الإمارات العربية المتحدة. وهنا في لندن، رفضت سفارة الإمارات العربية المتحدة التعليق على القضية، قائلة إنها مسألة عائلية خاصة.
ويتمتع الشيخ بحصانة سيادية من أي مقاضاة محتملة في المستقبل.