في البهو الرئيسي لمدينة الثقافة "شادلي القليبي"، ينتظم حاليا معرض قرطاج "THEN AND NOW" الذي يتواصل إلى غاية الأحد 28 فيفري 2021
هذا المعرض هو جزء من عمل كبير لتجميع أرشيف مهرجان قرطاج الدولي منذ تأسيسه بين الهيئة المديرة لمهرجان قرطاج الدولي 2021 والمؤسسة الوطنية لتنمية المهرجانات والتظاهرات الثقافية والفنية بمساهمة عديد المؤسسات: قسم الأرشيف بوزارة الشؤون الثقافية، دار الكتب الوطنية، المركز الوطني للتوثيق، وكالة تونس إفريقيا للأنباء ومؤسسة الإذاعة التونسية.
يستحضر هذا المعرض مسيرة مهرجان قرطاج الدولي من خلال مجموعة من الصور والمقالات التي توثق للحظات استثنائية تثبت مكانة هذا المهرجان في الخارطة الوطنية والدولية.
نحن في سنة 1964، صورة من حفل ل"مريام ماكيبا" على ركح المسرح الروماني بقرطاج. و"ماكيبا" التي توفيت في 2008 لم تكن فنانة ذائعة الصيت فحسب بل كانت مناضلة أيضا. رافقت "نيلسون مانديلا" في صراعه ضد العنصرية في جنوب إفريقيا. وعاشت جزء من حياتها لاجئة في الجزائر التي شكرتها بأغنية "أنا حرة في الجزائر".
تقديرا لسيرتها كفنانة وكمناضلة، استقبل الزعيم "الحبيب بورقيبة" "ماكيبا" ولنا صورة تؤرخ لهذا اللقاء في سنة 1964
يأخذنا المعرض إلى سنة 1966 مع الفنانين "فهد بلان" و"صباح" صحبة مقالات كثيرة تتحدث عن الحفل، ثم نتوقف أمام واحدة من أهم التجارب في المسرح التونسي "فرقة مسرح الجنوب" سنة 1973 مع رؤوف بن عمر، فاضل الجزيري، جليلة بكار، سمير العيادي، وفاضل الجعايبي.
يعود بنا معرض قرطاج "then and now" في البهو الرئيسي "محمود المسعدي" بمدينة الثقافة إلى سنة 1975 مع "الريّس" كما لقّبته الصحافة آنذاك "وديع الصافي"، وفي العام نفسه، كانت الزيارة الأولى لداليدا لتونس وأول حفل لها في قرطاج وهي في أجمل حالاتها تغني "GIGI l AMOROSE" التي أصدرتها خلال تلك الفترة.
تتواصل الرحلة في سبعينات قرطاج: "راي شارلز" سنة 1976، والمسرحية التي مازالت تعتبر إلى اليوم واحدة من مرجعيات المسرح السياسي العربي "على نخبك يا وطن" في عرضها الثاني بعد عرضها الأول في سوريا سنة 1979.
و"على نخبك يا وطن" من تأليف "محمد الماغوط"، إخراج "خلدون المالح"، بطولة دريد لحام. وتترجم الصحافة آنذاك وقع العرض على المتلقي التونسي: "لكي تكون شاعرا عظيما يجب أن تكون صادقا. ولكي تكون صادقا يجب أن تكون حرّا. ولكي تكون حرّا يجب أن تعيش. ولكي تعيش يجب أن تكون أخرسا"
وفي الثمانينات يستوقفنا حوار لعلي اللواتي مدير مهرجان قرطاج الدولي لدورة 1985 ضمن نشرية المهرجان، يتحدث فيه عن تنوّع في البرمجة والسعي إلى إرضاء كل الأذواق. وفي هذا السعي، ظل مهرجان قرطاج الدولي علامة مميزة في خارطة المهرجانات الوطنية والعربية إذ يستوقفنا عرض لأنور ابراهم الذي احتفت به الصحافة وهو فنان "شاب" آنذاك، وعرض للهادي الجويني رمزا للموسيقى التونسية العصرية في تلك الفترة أيضا.
وفي العام نفسه /1985/ موعد مهم مع الفرقة القومية للموسيقى وعديد الأصوات التونسية: ذكرى محمد، نجاة عطية، صوفية صادق، فيصل الرياحي والشاذلي الحاجي.
لم يعب المسرح عن مهرجان قرطاج الدولي، إذ نتوقف سنة 1985 عند واحدة من التجارب المهمة في المسرح التونسي أيضا، وهي "مسرح الكل" الذي جمع "الأمين النهدي"، "المنجي العوني" و"نور الدين بن عياد" في مسرحية "حمالة في النازلة".
تستيقظ الكثير من الذكريات في معرض قرطاج "then and now" في البهو الرئيسي "محمود المسعدي" بمدينة الثقافة مع صور تقتنص لحظات مؤثرة تأخذنا إلى سنة 1991 مع عرض "النوبة" لفاضل الجزيري وسمير العقربي. نرى ابتسامة فاطمة بوساحة رحمها الله التي تعكس صدقها وشغفها بفنّها الاستثنائي. إسماعيل الحطاب رحمه الله بجانب صالح الفرزيط. ليليا الدهماني منطلقة في وصلتها على الركح. صلاح مصباح منتش كما عهدناه. صور وكواليس ولحظات لا تنسى. ومقالات كثيرة بتاريخ 30 جويلية 1991 تروي تفاصيل العرض وتفاعل الجمهور.
هذا المعرض الذي يستحق الزيارة، متاح حاليا في البهو الرئيسي "محمود المسعدي" بمدينة الثقافة إلى غاية الأحد 28 فيفري 2021 وهو ليس إلا جزء من أرشيف مهرجان قرطاج الدولي المتاح بأكمله على الموقع www.mediafic.tn
وهذا الموقع لن يمكّن الزائر من رفع المادة واستغلالها في البحث والدراسة فقط، إنّما يسمح أيضا بإضافة مواد توثيقية ليكون بذلك تجميع الأرشيف عملا تشاركيا بين عديد الأطراف.
وفي باب العمل التوثيقي لمهرجان قرطاج الدولي سيتم إنتاج فيلم وثائقي وإصدار كتاب حول تاريخ المهرجان للتوثيق أولا وحتى يكون مادة للباحثين والدارسين.
تجميع الأرشيف وحفظه ورقمنته خطوة ضرورية لإعادة النظر في تاريخ مهرجان قرطاج الدولي والتمعّن فيه بهدف فهم الكثير من الخيارات المتعلّقة بالمهرجان ممّا يساعد على التأسيس للمستقبل بشكل أفضل وأكثر نجاعة وقدرة على الاستمراريّة.
والعودة لم تكن فقط إلى العمل على الأرشيف بل إلى الأفكار التأسيسية لمهرجان قرطاج الدولي عبر تسجيل شهادات مهمة لعدد من المديرين السابقين للمهرجان. هي إذن عودة إلى الأفكار الأولى للمؤسسين ومن خلالها إلى أسس المهرجان التي تنسجم كثيرا مع رؤية هيئة الدورة 52 لمهرجان قرطاج الدولي.