لم يعد الإنخراط في التحول الرقمي خيارا بل أصبح ضرورة ملحة أمام ما توفره الحلول الرقمية من تسهيلات في التعامل مع تقديم خدمات دون تعطيلات وذات جودة أفضل. فثقافة الطوابير التي تؤثث المشهد اليومي للمصالح العمومية التي من بينها البلديات لاستخراج أبسط الوثائق بقدر ما تثقل كاهل المواطن فأنها أيضا تستنفذ الطاقات والموارد البشرية والمادية لمسدي الخدمات
وتعتبر الإدارة البلدية من أهم المصالح العمومية التي تقدم خدمات يومية للمواطنين في عدة مجالات سواء الإدارية أو الخدماتية زيادة على العلاقة التشاركية بين الطرفين. كما أن قدرة البلديات على تحقيق التنمية تمر حتما عبر تعصير آليات العمل وجعلها أكثر نجاعة
لذلك أصبح لزاما على البلديات رقمنة خدماتها واعتماد حلول تكنولوجية ذكية تساعدها على تطوير وعصرنة أدائها. لكن الملاحظ أن هذا المسار لازال يواجه الكثير من العوائق رغم نجاح نسبة مهمة من البلديات في تركيز منظومات عمل رقمية. حيث تواجه الكثير من البلديات صعوبات في الانخراط في هذا التمشي وهذا عائد لجملة من الأسباب منها النقص الحاصل في الموارد البشرية المختصة وأيضا الرهانات المالية التي تكبّل عددا كبير من البلديات لا سيما المحدثة منها. كما أن ضعف الوعي المجتمعي بثقافة التعامل الرقمي لا زال يمثل عائقا مهما في هذا الجانب
تدارك هذه العوائق يتطلب حلولا مشتركة من جميع الأطراف، انطلاقا من إستراتيجية وطنية واضحة للتحول الرقمي مع توفير سبل تنفيذها على أرض الواقع بكل البلديات على اختلاف إمكانياتها، وصولا إلى ترسيخ الوعي بأن التحول الرقمي ضرورة وليس خيار
الجامعة الوطنية للبلديات التونسية، ومن منطلق حرصها على تطوير العمل البلدي وتدعيم توجه البلديات نحو رقمنة خدماتها، وفرت "خدمة الدعم الرقمي" والتي تهدف أساسا إلى المساعدة الفنية والاستشارات في مجال الرقمنة، دعم البلديات لتحديث نظم المعلومات الخاصة بها وتحديد مجالات التطوير, المشاركة الفعالة في إدارة برامج ومشاريع الرقمنة الوطنية التي تستهدف البلديات, الإشراف على مبادرات القطاع الخاص ولا سيما الشركات الناشئة, اعداد مكتبة رقمية لتسهيل الأعمال / المبادرات الرقمية للبلديات و العمل على ترويج أهمية الرقمنة لمساعدة الاعوان البلدية و المواطنين على التكيف مع التغيير
حول هذه الجوانب وغيرها تناولت الحلقة الحوارية عدد 18 من منتدى البلديات بالجامعة الوطنية للبلديات التونسية بالدرس والتحليل واقع الرقمنة في البلديات التونسية والسبل الكفيلة بتطويره وتجاوز الإشكاليات الحاصلة
نجاح البلديات رقميا مقترن بسياق وطني
يعتبر السيد معز عطية الأستاذ الجامعي في تكنولوجيات الاتصال والمعلومات أن الرقمنة في البلديات لا يمكن قراءتها في معزل عن واقع الرقمنة في باقي المؤسسات الإدارية العمومية أذ أن تطور هذا المجال بصفة فردية أمر غير مطروح. أهم ما يمكن استخلاصه من خلال تشخيص أنه رغم صدور الأمر الحكومي سنة 2020 المتعلق بالتبادل الالكتروني واسداء الخدمات عن بعد لكن الواقع لا يزال يواجه صعوبات كبيرة
موضحا أن البلديات تواجه مشاكل العمل اليومي وتسيير الشؤون اليومية أضافة إلى ضعف الإمكانيات من ذلك أن الكثير من البلديات وخاصة المحدثة منها لازالت تواجه مشاكل في توفير مقر عمل وأبسط وسائل العمل، فكيف بإمكانها أمام هذه العوائق أو تخوض غمار الرقمنة وتوفير الخدمات الرقمية؟
أما فيم يخص الحلول المطروحة لتغيير هذا الواقع فانه من الضروري تغيير العديد من التشريعات على المستوى الوطني، أما فيما يهم البلديات فأنه من واجبها أن تطور بنيتها التحتية على المستوى الرقمي (شبكات داخلية، انترنت ذات تدفق عالي) لأن التوجه نحو الرقمنة يحتاج استراتيجية متكاملة الجوانب تختلف من بلدية إلى أخرى
الجامعة تطرح حلولا عملية
تنقسم البلديات حسب تشخيص مستشارة الرقمنة بالجامعة السيدة جيهان حديدان إلى 3 أنواع موزعة كالآتي البلديات غير المقتنعة بجدوى الحلول الرقمية -
البلديات المنخرطة نسبيا في برامج الرقمنة ولكنها تواجه عراقيل -
البلديات التي قطعت شوطا كبيرا في هذا المجال -
وفي هذا السياق تعمل الجامعة على دعم البلديات ومرافقتها عبر دراسة وضعها حالة بحالة حسب الإمكانيات المتوفرة للجامعة
كذلك وفي إطار التعاون مع القطاع الخاص والمشاريع الرقمية سيتم اعتماد " علامة الجودة " من الجامعة بخصوص التطبيقات والحلول الرقمية التي يوفرها القطاع الخاص لفائدة البلديات. إضافة إلى إطلاق قريبا شبكة الرقمنة بالجامعة لتوفير فضاء لتبادل الخبرات والتجارب، والمشاركة في وضع أدلة عمل تساعد البلديات على التوجه نحو الرقمنة بالاعتماد على الخبرات البلدية ذات العلاقة
غياب استراتيجية عمل واضحة
يوضح السيد عبد السلام الورغمي رئيس المصلحة الفنية ببلدية عقارب أن ما ينقص البلديات اليوم هو غياب رؤية واضحة للمشاريع الرقمية التي يمكن أن تنجزها، هناك مبادرات ومشاريع ولكن لا تتم في إطار استراتيجية عمل واضحة وهذا ما جعل هذه التجارب لا تحقق النتائج المرجوة منها في كثير من الأحيان. مضيفا أن أهم الحلول التي يمكن أن تساعد البلديات في تطوير واقعها الرقمي هو وجود إطارات بلدية مؤمنة بهذا التوجه وتعمل على ترسيخه على أرض الواقع. مضيفا أن فرض انخراط البلديات في توفير عدد من الخدمات الرقمية يمكن أن تحسّن الوضع.
في نفس السياق أوضح السيد باسم بن صووي مسؤول الأنظمة المعلوماتية ببلدية الحمامات أن البلديات على وعي بأهمية التوجه نحو الحلول الرقمية ولكن هذا التحدي لا يهم البلديات فقط بل كل المؤسسات العمومية في إطار استراتيجية وطنية وليس العمل بصفة فردية. معتبرا أنه من الضروري العمل على تطوير منظومات خاصة بكل بلدية حسب احتياجاتها وإمكانيات عملها ولا يمكن اعتماد حلول مسقطة على البلدية قد لا تستجيب لاحتياجاتها.
البرامج الوطنية المطروحة
قدم السيد محمد أمين العباسي خبير الرقمنة بوكالة التعاون الألماني GIZ لمحة عن مختلف البرامج الوطنية التي يقع العمل عليها حاليا لتطوير المجال الرقمي في البلديات. ومن أهم البرامج الوطنية تم مؤخرا الانتهاء من إعداد دليل توجيهي استراتيجي للرقمنة في البلديات سيكون وسيلة عمل مرجعية للبلدية لوضع استراتيجيتها الرقمية. كذلك يتواصل العمل على عدة برامج أخرى من أهمها برنامج " تعمير" المتعلق برقمنة رخص البناء والتي يقع تجربتها حاليا في عشر بلديات على أن يتم تعميمها قريبا على باقي البلديات وستتولى وزارة الداخلية الإعلان عنها في الأشهر القادمة. (منظومة وطنية للحصول على رخص البناء الكترونيا)
كذلك يقع العمل على تجديد منظومة التصرف في الموارد GRB حتى يتمكن المواطن من دفع المعاليم الجبائية الكترونيا
المشروع الثالث يتعلق برقمنة الخدمات الإدارية البلدية، بعد نجاح تجربة فضاء المواطن عبر احداث منصة وطنية تتوفر على 11 خدمة موجهة للمواطنين الكترونيا
لمن لم يتمكن من متابعة البث المباشر يمكنكم إعادة متابعة الندوة عبر الرابط التالي
https://bit.ly/3InSFa3
|